الحمد لله.
أولا:
ينبغي أن يعلم أن الفقهاء المجتهدين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والليث والأوزاعي وإسحاق ، وأمثالهم ، ممن جعل الله لهم لسان صدق في الأمة، واتفق مَنْ بعدهم على إمامتهم ودينهم وورعهم لا يقولون على الله بغير علم، ولا ينسبون إلى الدين ما ليس منه، ولا يُظن بهم أنهم يقبلون حديثا ، ويرفضون آخر اتباعا لهوى، أو رغبة في نصر قول، وإنما هم أئمة مجتهدون، قد يصح الحديث عند أحدهم، ولا يثبت عند غيره، وقد يختلفون في فهم النصوص، أو في التعامل معها، جمعا أو ترجيحا.
فلا يقال: إنهم يصرون على رأيهم، أو يتشددون في مسألة دون داع، فهذا سوء ظن عظيم بهم، وعدم معرفة بأقدارهم.
وهؤلاء الأئمة ليس فيهم من يتعمد مخالفة حديث صحيح ، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته القيمة ، "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" والتي ننصحك بمدارستها ، وتفهمها.
وهذا التعصب إن وقع فيه بعض المتأخرين المنسوبين إلى العلم، فلا يقع فيه الأئمة المتفق على إمامتهم وجلالتهم.
ثانيا:
اشتراط الحجاب لصلاة المرأة، دلت عليه السنة الصحيحة، والإجماع.
فقد روى أحمد (25167) ، وأبو داود (641) ، والترمذي (377) ، وابن ماجه (655) عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ .
والحائض: من بلغت سن المحيض.
والحديث صححه: الحاكم وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وابن حجر والألباني ومحققو المسند.
وينظر: "تحفة المحتاج" لابن الملقن (337)، و"الهداية" لابن حجر (289)، و"إرواء الغليل" (196)، و" إقامة الدليل على علو رتبة إرواء الغليل" ، ص109، للشيخ أحمد بن أبي العينين.
وقتادة بن دعامة (أبو الخطاب السدوسي البصري) مدلس، لكن قد توبع، فقد روى الحديث: هشام بن حسان، وأيوب، كلاهما عن ابن سيرين.
وإنما قدح من قدح في هذا الحديث لأنه جاء من طريق قتادة عن الحسن البصري مرسلا، وجاء من طريق قتادة عن ابن سيرين موصولا، فأعله الدارقطني بالإرسال، وقال إن الأشبه أنه موقوف. قال ابن حجر في الهداية: "وليس كما قال".
وقال الألباني: " فقد ظهر مما سبق : أنه اتفق ثلاثة من الثقات على رواية الحديث عن ابن سيرين عن صفية عن عائشة موصولا , فلا يضره رواية أحدهم وهو قتادة من طريق أخرى مرسلا ؛ بل إنها تقوى الرواية الموصولة كما تقدم ذكره" انتهى.
وأما الإجماع:
فقال ابن المنذر في " الأوسط " (5/ 69): "أجمع أهل العلم على المرأة الحرة البالغة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إن صلت وجميع رأسها مكشوف : أن صلاتها فاسدة، وأن عليها إعادة الصلاة" انتهى.
وقال أيضا في كتاب "الإجماع"، ص43: " وأجمعوا على أن الحرة البالغة تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إن صلت، وجميع رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة" انتهى.
وقال ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" : "1/ 121): " وأجمعوا أن الحرة البالغة عليها أن تخمر رأسها إذا صلت" انتهى.
وإذا انعقد إجماع علماء المسلمين على حكم مسألةٍ ما ، كان ذلك الحكم هو الحق الذي يجب اتباعه ، ويحرم على المسلم مخالفته ، وقد سبق الكلام على حجية الإجماع والأدلة من الكتاب والسنة الدالة على ذلك في جواب السؤال رقم : (197937) ، ورقم : (256101) .
ثانيا:
الخمار هو ما تغطي به المرأة رأسها.
وأما تغطية الوجه بالخمار: فمأخوذ من قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ النور/31، فإذا ضربت بخمارها على جيبها -وهو فتحة صدر- لزم من ذلك تغطية وجهها.
قال الفيومي في "المصباح المنير" (1/ 181): " الْخِمَارُ ثَوْبٌ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا ، وَالْجَمْعُ خُمُرٌ ، مِثْلُ: كِتَابٍ وَكُتُبٍ ، وَاخْتَمَرَتْ الْمَرْأَةُ وَتَخَمَّرَتْ لَبِسَتْ الْخِمَارَ" انتهى.
وقال البعلي في "المطلع على أبواب المقنع"، ص37: " خمار "بكسر الخاء" وهو المعروف الذي تلف به المرأة رأسها، سمي بذلك لستره، وكل ما ستر شيئا فهو خمار" انتهى.
فلا يقال: إنهم قد بدلوا معنى الخمار!
وعلى فرض أن الخمار في الحديث: غطاء الرأس والوجه، فقد خرج الوجه بدليل آخر، وهو الإجماع على أنه لا يجب تغطيته في الصلاة.
قال ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 121): " وأجمعوا أنها لا تصلي منتقبة ولا متبرقعة.
ويجب على المرأة أن تواري جميع بدنها غير وجهها، فإذا فعلت ذلك تمت صلاتها باتفاق" انتهى.
فالنصيحة لك أن ترفقي بنفسك، وألا تورديها المهالك، فإن من بدأ طريقه في النظر في الشبهات لم يفلح.
فاطلبي العلم، وأقبلي على الله تعالى ، واسأليه أن ينير قلبك وبصيرتك، وأن يرزقك الفهم والتعظيم للشرع .
وكلما طلبت العلم أكثر ، وفتح الله عليك من أبوابه ما كان مغلقا عليك تبين لك ضعف مثل هذه الشبهات، وأنه إنما يؤتى الإنسان من جهله، وإلا فهي شبهات داحضة يعلم أهل العلم أنها ليست شيئا.
ونحن لا ندعي العصمة لغير الرسل، لكننا نجزم أن الأئمة المجتهدين لا يتلاعبون بالدين، ولا يتقولون على الله بغير علم، وأنهم يجتهدون فيصيبون ويخطئون، وأنهم لا يجتمعون على ضلالة، فإن أخطأ واحد منهم كان الصواب عند غيره، والحمد لله.
نسأل الله أن ينير قلبك، وأن يقيك شر نفسك.
والله أعلم.
تعليق