الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 - 29 ديسمبر 2024
العربية

عقيدة الإمام الشافعي في علو الله تعالى

291050

تاريخ النشر : 06-12-2018

المشاهدات : 39852

السؤال

أنا أتحادث مع بعض الأحباش وقد ذكروا أننا كذبنا بشأن الإمام الشافعي وأنه لم يقل أبدا مثل هذا التصريح على النحو التالي ، لقد طلبوا إسناداً لهذا الكلام ، فهل يمكنكم أن تزودوني به والمرجع الذي ورد فيه ؟ الإمام الشافعي [47] قال الإمام الشافعي: العقيدة التي أحملها هي نفس العقيدة التي كان المسلمون قبلي عليها ، أي شهادة الإيمان: لا إله يستحق أن يعبد إلا الله ، أن محمدا رسول الله ، وأن الله فوق العرش ، فوق السموات. ينزل إلى السماء الدنيا متى شاء.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

النقل المذكور عن الإمام الشافعي رحمه الله، أورده جمع من الأئمة في مصنفاتهم.

أورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص180برقم 92)، وابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/182) ، والذهبي في "العرش" (2/ 289)، وفي العلو (ص165) وقال: "إسناده واه". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 164).

قال الذهبي رحمه الله في "العلو للعلي الغفار"، ص165 : "روى شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْحسن الهكاري والحافظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي بإسنادهم إِلَى أبي ثَوْر وَأبي شُعَيْب كِلَاهُمَا عَن الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي نَاصِر الحَدِيث رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ القَوْل فِي السّنة الَّتِي أَنا عَلَيْهَا وَرَأَيْت عَلَيْهَا الَّذين رَأَيْتهمْ مثل سُفْيَان وَمَالك وَغَيرهمَا الْإِقْرَار بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن الله على عَرْشه فِي سمائه يقرب من خلقه كَيفَ شَاءَ وَينزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا كَيفَ شَاءَ وَذكر سَائِر الِاعْتِقَاد.

وبإسناد لَا أعرفهُ عَن الْحُسَيْن بن هِشَام الْبَلَدِي قَالَ : هَذِه وَصِيَّة الشَّافِعِي أَنه يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَذكر الْوَصِيَّة بِطُولِهَا وفيهَا الْقُرْآن غير مَخْلُوق وَأَن الله يرى فِي الْآخِرَة عيَانًا ويسمعون كَلَامه وَأَنه تَعَالَى فَوق الْعَرْش ، إسنادهما واه " انتهى.

فتبين بهذا أن هذا النقل عن الشافعي رحمه الله مع شهرته، لم يصح إسناده كما قال الذهبي رحمه الله.

وقال في "العرش" (2/ 294) بعد أن أورد كلام الشافعي: " والكلام في مثل هذا كثير من الشافعي، فقد جمع شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري، والحافظ أبو محمد عبد الغني، وأبو الحسن بن شكر وغير واحد ، أقوال الشافعي في أصول الاعتقاد، وذلك موجود بأيدي الناس" انتهى.

ثانيا:

أما اعتقاد الشافعي رحمه الله في مسألة العلو، فقد بينه شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني الشافعي رحمه الله (373- 449هـ)

قال رحمه الله: " ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله سبحانه فوق سبع سمواته، على عرشه مستوٍ، كما نطق به كتابه... ".

ثم نقل قول مالك، وابن المبارك، وابن خزيمة، ثم قال:

" وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه احتج في كتابه المبسوط في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها، بخبر معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء كفارة، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عتقه إياها، فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: (من أنا؟) فأشارت إليه وإلى السماء، يعني أنك رسول الله الذي في السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعتقها فإنها مؤمنة).

فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامها وإيمانها ، لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية.

وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سمواته على عرشه، كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة، سلفهم وخلفهم؛ إذ كان رحمه الله لا يروي خبرا صحيحا ثم لا يقول به" انتهى من "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" ص175، 188

والسلف والأئمة مجمعون على إثبات علو الله على عرشه وأنه بائن من خلقه، ليس في كل مكان كما تقول الجهمية، ولا كما تقول الأشاعرة: إنه لا داخل العالم ولا خارجه!

وقد ختم الذهبي رحمه الله كتابه العلو بقوله: " وَالله فَوق عَرْشه كَمَا أجمع عَلَيْهِ الصَّدْر الأول وَنَقله عَنْهُم الْأَئِمَّة، وَقَالُوا ذَلِك رادين على الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَنَّهُ فِي كل مَكَان ، محتجين بقوله: وَهُوَ مَعكُمْ.

فهذان الْقَوْلَانِ هما اللَّذَان كَانَا فِي زمن التَّابِعين وتابعيهم، وهما قَولَانِ معقولان فِي الْجُمْلَة.

فَأَما القَوْل الثَّالِث الْمُتَوَلد أخيرا ، من أَنه تَعَالَى لَيْسَ فِي الْأَمْكِنَة وَلَا خَارِجا عَنْهَا ، وَلَا فَوق عَرْشه، وَلَا هُوَ مُتَّصِل بالخلق وَلَا بمنفصل عَنْهُم ، وَلَا ذَاته المقدسة متحيزة وَلَا بَائِنَة عَن مخلوقاته ، وَلَا فِي الْجِهَات وَلَا خَارِجا عَن الْجِهَات ، وَلَا ، وَلَا = فَهَذَا شَيْء لَا يُعقل ، وَلَا يُفهم ، مَعَ مَا فِيهِ من مُخَالفَة الْآيَات وَالْأَخْبَار.

ففر بِدينِك ، وَإِيَّاك وآراء الْمُتَكَلِّمين ، وآمن بِاللَّه ، وَمَا جَاءَ عَن الله ، على مُرَاد الله ، وفوض أَمرك إِلَى الله ، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه" انتهى من "العلو" ص267

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب