الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

الجمع بين حقارة الدنيا و تعظيم الوحي لبعض أمورها.

297103

تاريخ النشر : 03-12-2018

المشاهدات : 12242

السؤال

عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعديِّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ( لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ )رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. فهذا الحديث يدل أن الدنيا لا تساوى عند الله شيئا ؟ لكن في المقابل نجد أن الله عز وجل جعل بعض أفعال العباد عظيمة سواء كانت أفعال خير أو شر مع أن هذه الأفعال تقع في الدنيا التي لا تساوى عند الله شيئا ، فكيف الجمع بين الأمرين ؟ بعض الأمثلة قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) . قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا). قوله تعالى : (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا) . قوله تعالى : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ .

رواه الترمذي (2320) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ "، وصححه الألباني لشواهده في "السلسلة الصحيحة" (2 / 299).

فالحديث يخبر أن الحياة الدنيا وما فيها من نعيم ومتاع، هو كله لا قيمة له عند الله، والأدلة على هوان متاع الدنيا ونعيمها كثيرة؛ ومن ذلك:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ:   أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ 

فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟

قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ 

قَالُوا: وَاللهِ! لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ "  رواه مسلم (2957).

وعن الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ يَحْيَى (راوي الحديث) بِالسَّبَّابَةِ - فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟   رواه مسلم (2858).

وهذه الحقارة التي وصفت بها الدنيا هي في مقابل الآخرة ونعيمها ودوامها، كما في قوله تعالى:

 قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا   النساء/77.

وقوله تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ   التوبة/38.

وقوله تعالى:  وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ   العنكبوت/64.

وقوله تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ، وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ   الزخرف/33 - 35.

ثانيا:

فما وصفه التي تعالى بالعظمة من نعيم الدنيا، كإنعامه بالملك العظيم على آل إبراهيم كسليمان عليه السلام.

قال الله تعالى:  أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا   النساء/54.

فهذه العظمة ليست في مقارنة نعيم الآخرة، وإنما بما يناسب ملك أهل الدنيا، وما تعارف عليه المخاطبون في تقدير الملك وعظمته.

ثالثا:

وأما استعظام الله تعالى لبعض أفعال الناس في الدنيا من خير أو شر، فعظمتها راجعة إلى ما فيها من جرأة عظيمة ، أو رعاية لحرمات الله تعالى، أو بالنظر إلى مآلها في الآخرة.

فقال الله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا   النساء/48.

وقوله تعالى:  أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا   الإسراء /40.

وقوله تعالى:وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا  النساء/156.

فوصفت هذه المحرمات بأنها عظيمة لأن فيها اعتداء على حرمات الله تعالى، فلا ننظر إلى محل وقوعها وهي الدنيا الهينة، بل ننظر إلى عظم من عُصِي وهو الله تعالى، ومدى جرأة هؤلاء على حرمات الله تعالى، فلهذا استعظمت ذنوبهم، كما أنّ مآل أصحابها في الآخرة إلى العذاب العظيم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب