الحمد لله.
أولا:
قبل النظر في خصوص المسألة المذكورة ، ينبغي أن يستحضر المسلم في قلبه أصلين عظيمين مقررين في شريعة الإسلام، في مثل هذه الأمانات، والوظائف، والولايات المالية على حقوق العباد:
الأصل الأول: عظم أمر الأمانة في دين الله ، وأن الأمر بحفظها، بكل ما أمكن العبد من صور الحفظ ، ووسائله: أمر متقرر، لكل أمانة، أيا كان صاحبها، وأيا كان المؤتمن عليها؛ قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء/58
وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ الأنفال/27-28
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ رواه البخاري (33) ، ومسلم (59).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ رواه أحمد (12383) وغيره، وحسنه محققو المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والأصل الثاني: أن مال المسلم معصوم، لا يحل الاعتداء عليه ، ولا أكل شيء منه بالباطل. قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا النساء/29 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ رواه مسلم (2564).
وعن أبي حرة الرقاشي، عن عمه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ رواه أحمد في مسنده (20695) وصححه الألباني.
وحينئذ، فالواجب على المسلم أن يعظم هذين الأصلين العظيمين، فيتحرى أداء الأمانة في أمره كله، ويتوقى أن يتخونها بشيء من قول أو عمل، أو يفتح أبواب التأويلات، وتسويلات النفوس، فيتخون الأمانات بشيء من العدوان، أو التأويل، أو يتخوض في أموال الناس بالباطل.
ثانيا:
إذا تقرر ذلك ، فبخصوص مشكلتكم نقول :
إذا كان ما ذكر من تغيير أرقام الغرف، يترتب عليه شيء ، أي شيء ، من أكل المال بالباطل، أو خيانة الأمانة ، سواء كان ذلك أكل مال النزيل ف الفندق، بأن يزاد عليه شيء لم يتفق عليه معه: فلا يحل لكم ذلك .
ومثله، وأشد منه : أكل مال "الفندق" الذي اؤتمنتم عليه ، بشيء من هذا التغيير ، أو التلاعب في أرقام الغرف .
وأما إذا كان الأمر، كما فهمنا من السؤال : أنه مجرد تغيير أرقام الغرف في سجل اليومية في الفندق، لتفادي الخطأ في كتابة أرقام الغرف، وأن ذلك لا يترتب عليه زيادة على العميل، أو تحميله شيء خلاف الأجرة المتفق عليها، وكذلك لا يترتب عليه ضياع شيء من حق "الفندق"، ولا أكل شيء من المال الذي اؤتمنتم عليه ، فيقال:
الواجب عليكم أولا ، أن تتفقوا مع الإدارة على آلية لتصحيح هذا الخطأ ، سواء بما ذكرتم في السؤال ، أو بغير ذلك ، مما يكون للإدارة علم به ، واطلاع عليه ، فلا شك أن هذا هو المتعين ، أولا ، والأبرأ للذمم ، والأحوط للحقوق.
فإن تعذر الاتفاق مع الإدارة على مثل ذلك ، فالذي يظهر أنه يرخص لكم في تبديل أرقام الغرف ، لترتيب الحسابات ، بالشروط المقدم ذكرها ، بعد أن يجتهد الموظف في ضبط الأمر على ما هو عليه في الواقع ، وأداء الأمانة المنوطة به ، ثم إذا قدر خطأ مثل المذكور، ولم يمكن تلافيه إلا بذلك : فالذي يظهر أنه يرخص لكم فيه ، دفعا للضرر ، أو منعا للمؤاخذة على خطأ شكلي ، غير مقصود، ولم يترتب عليه ضياع حق، ولا أكل مال بالباطل.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (154955) .
والله أعلم .
تعليق