الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

الجمع بين حديثي " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد " ، وحديث قراءة آية الكرسي قبل النوم

299108

تاريخ النشر : 23-03-2019

المشاهدات : 68513

السؤال

نعلم بأن المسلم إذا قرأ آية الكرسي قبل النوم لا يقربه شيطان ، ولكن نجد في حديث النبي عليه الصلاة والسلام : أن الشيطان يعقد على قافية المرء إذا نام ثلاث عقد ، فكيف نوفق بين قراءة آية الكرسي وبين حديث عقد الشيطان ؟

الجواب

الحمد لله.

فإن كلا الحديثين المذكورين صحيح والحمد لله .

الحديث الأول :

أخرجه البخاري في "صحيحه" (1142) ، ومسلم في "صحيحه" (776) ، من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ .

واختلف العلماء في كون العقد من الشيطان هل هو حقيقي أم مجازي ، لكنه واقع ، وقصد الشيطان منه تثبيط المسلم عن الصلاة وفعل الخير .

قال النووي في "شرح مسلم" (6/65) :" وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ ، فَقِيلَ هُوَ عَقْدٌ حَقِيقِيٌّ بِمَعْنَى عَقْدِ السِّحْرِ لِلْإِنْسَانِ وَمَنْعُهُ مِنَ الْقِيَامِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " وَمِنْ شَرِّ النفاثات في العقد " ، فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ يُؤَثِّرُ فِي تَثْبِيطِ النَّائِمِ كَتَأْثِيرِ السِّحْرِ ، وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا يَفْعَلُهُ كَفِعْلِ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ وَيُحَدِّثُهُ بِأَنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَتَأَخَّرْ عَنِ الْقِيَامِ ، وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ كنى به عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ "انتهى.

والحديث الثاني :

أخرجه البخاري في "صحيحه" (2311) معلقا ، ووصله النسائي في "عمل اليوم والليلة" (959) ، والبيهقي في "الدعوات" (406) ، من طريق عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:" وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِي آتٍ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَبِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَخَلَّيْتُ عَنْهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟  قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، شَكَى حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَقَالَ:   أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ ، وَسَيَعُودُ  فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ سَيَعُودُ ، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلَا أَعُودُ ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأَصْبَحَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟  قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَكَا حَاجَةً وَعِيَالًا ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَقَالَ:  أَمَا إِنَّهُ كَذَبَكَ ، وَسَيَعُودُ  ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا ، قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ  اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ  ا لبقرة/255 ، حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ:  مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟   قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَالَ: مَا هِيَ؟  قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَهَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ البقرة/255 ، وَقَالَ: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَا يَقْرَبُكَ الشَّيْطَانُ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَمَا إِنَّهُ كَذُوبٌ وَقَدْ صَدَقَكَ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثٍ ، يَا أَبَا هُرَيْرَ؟   فَقُلْتُ: لَا ، قَالَ:  ذَلِكَ الشَّيْطَانُ   ".

والحديث صححه الشيخ الألباني في "تخريج الكلم الطيب" (31) .

وقد تعددت هذه القصة مع أكثر من صحابي ، وإن كان أشهرها حديث أبي هريرة المذكور .

ولا تعارض بين الحديث بفضل الله تعالى ، وبيانه كما يلي :

أن حديث " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم " ، هو حديث عام لكنه مخصوص بمن ورد في حقه أنه محفوظ من الشيطان ، ويدخل في ذلك من قرأ آية الكرسي قبل نومه استدلالا بالحديث الثاني ، وبهذا يُعمل بالدليلين .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/25) :" قَوْلِهِ :" أَحَدِكُمْ " التَّعْمِيمُ فِي الْمُخَاطَبِينَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَمَنْ وَرَدَ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَالْأَنْبِيَاءِ ، وَمَنْ تَنَاوَلَهُ قَوْلُهُ " إِنَّ عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان " ، وَكَمَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ نَوْمِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ ". انتهى.

وقال ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (1/279) :" وقال العارف ابن أبي جمرة : وأما الجواب عن الثاني ، وهو : هل ذاك في عمومه ، في أهل الخصوص وغيرهم؟ فاللفظ يعطي العموم ؛ لكن يخصصه الآيات والأحاديث ، كقوله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ الحجر/42 ، وكقوله - صلى الله عليه وسلم – " من قرأ عند النوم سورة من القرآن كانت له حرزاً من الشيطان حتى يصبح ، ومن قرأ آية الكرسي عند مسائه، كانت له حرزاً من الشيطان ، أو كما قال ، ومن قال كلما أصبح أو أمسى: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، وليلته حين يصبح ، أو كما قال .

والأحاديث في ذلك كثيرة ، وقد نبه الشارع على مكائده كلها ، وجميع وجوه تسلطه علينا ، وبين المخرج منها ، والتحذير منه فجزاه الله خيرًا ، فهذا يخصص عموم الحديث ". انتهى

وبهذا الجمع يتبين أن حديث قراءة آية الكرسي مخصص لحديث عقد الشيطان .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب