السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

قراءة سورة الجمعة في مغرب وعشاء ليلة الجمعة ؟ .

299148

تاريخ النشر : 22-04-2019

المشاهدات : 32529

السؤال

هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في مغرب أو عشاء الخميس من سورة الجمعة ؛ لأن بعض أئمة المساجد يفعلون هذا كل مساء الخميس ، وبعض الأئمة يقرأون في صلاة المغرب ، أو آية من سورة الأحزاب : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) في صلاة المغرب ، وفي صلاة العشاء سورة الجمعة ، فهل هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لم يثبت حديث في استحباب قراءة سورة "الجمعة" في مغرب وعشاء ليلة الجمعة.

جاء في "مسائل حرب الكرماني" (ص 399):

" قلت لأحمد [يعني : الإمام أحمد] : فيقرأ ليلة الجمعة في العتمة بسورة الجمعة، و ( سبح )؟

قال: لا، لم يبلغني في هذا شيءٌ.

وكأنه كره ذلك " انتهى.

وقد روى ابن حبان "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" (5 / 149)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6 / 308) من طريق سَعِيد بْن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )، وَ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ )، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ سُورَةَ "الْجُمُعَة"ِ وَ "الْمُنَافِقِينَ"  .

وهذا حديث ضعيف جدا؛ وضعفه الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (559)؛ لأن في سنده سَعِيد بْن سِمَاكِ، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:

" سألت أبي عن سعيد بن سماك بن حرب روى عن أبيه، فقال: هو متروك الحديث " انتهى من "الجرح والتعديل" (4 / 32).

وجاء في "مسائل حرب الكرماني" أيضا (ص 399):

" حدثنا إسحاق، قال: ثنا يحيى بن ضرَيْس، قال: ثنا أبو سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: " كانوا يستحبون أن يقرؤوا ليلة الجمعة سورة الجمعة؛ كي يعلم الناس أن الليلة ليلة الجمعة " " انتهى.

وهذا ليس فيه حجة:

لأن أبا سنان ؛ هو سَعِيد بْن سنان الشيباني، له أوهام. كما نص على ذلك ابن عدي في "الكامل" (4 / 405).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" سعيد بن سنان أبو سنان البُرْجُمي... عابد زاهد حجّاج، وثقه أبو حاتم، وقال أحمد: ليس بالقوي " انتهى من "الكاشف" (1 / 438).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" صدوق له أوهام " انتهى من"تقريب التهذيب" (ص 237).

وحبيب بن أبي ثابت تابعي ثقة؛ لكنه ليس من كبار التابعين فكثير من روايته عن التابعين؛ فقوله: "كانوا"؛ يحتمل أنه يقصد بها التابعين الذين أخذ عنهم العلم.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" مسألة: إذا قال الصحابي أو التابعى: ( كانوا يفعلون كذا )...

ولا يكون حجة؛ فإن التابع قد يعنى من أدركه كقول إبراهيم: (  كانوا يفعلون )؛ يريد: أصحاب عبد الله " انتهى من "المسودة في أصول الفقه" (1 / 584 – 585).

ولا شك أن فعل التابعين لمثل ذلك ، لو ثبت عنهم : فهو أمر معتبر في مثل ذلك، ولا ينكر على فاعله، وحسبه أن يكون ذلك معروفا للتابعين، أو لفقهائهم.

لكن الشأن في أن ذلك لم يثبت عنهم ؛ فضلا عن أن يكون إجماعا لهم ، أو تدل رواية على أن مثل ذلك كان ظاهرا فاشيا فيهم .

ولعله لأجل ذلك : سهل الإمام أحمد في فعل ذلك أحيانا ، من غير مداومة عليه . ولا يعتقد في مثل ذلك أنه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

جاء في "فتح الباري" لابن رجب (7 / 48):

" وروى الخلال من طريق الحسن بن حسان، قالَ: قلت لأحمد: فنقرأ في ليلة الجمعة بسورة الجمعة؟

قالَ: لا بأس، ما سمعنا بهذا شيئاً أعلمه، ولكن لا يُدمن، ولا يجعله حتما " انتهى.

ثانيا:

وكذلك الاقتصار على آخر سورة الجمعة وآية الأحزاب؛ فهذا أيضا لم يثبت في السنة؛ ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أصلا: أن يقرأ في الفرائض بآيات من وسط السورة أو آخرها.

قال ابن القيم رحمه الله  تعالى:

" وكان صلى الله عليه وسلم لا يُعيِّن سورة في الصلاة بعينها، لا يقرأ إلا بها، إلا في الجمعة والعيدين...

وكان من هديه قراءة السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة.

وأما قراءة أواخر السور وأوساطها، فلم يحفظ عنه " انتهى من"زاد المعاد" (1 / 207 - 208).

فالمواظبة على قراءة هذه الآيات المعينة في مغرب وعشاء كل ليلة جمعة؛ لا شك أنه خلاف السنة.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها، أو يقرأ إحداهما في الركعتين، فإنه خلاف السنة، وجهال الأئمة يداومون على ذلك " انتهى من "زاد المعاد" (1 / 369).

وأما إذا قرأ بهذه الآيات أحيانا ، من غير مداومة ، ولا اعتقاد فضل خاص؛ فلا بأس؛ وهذا يدخل في عموم حديث أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: ( أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ ) رواه أبو داود (818)، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في " التلخيص" (2 / 658)، والألباني في "صحيح سنن أبي داود".

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيئ في صلاته: ( إِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ ) رواه أبو داود (859)، وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

لكنه خلاف الأولى من متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته ، والقراءة بسورة كاملة ، ولو قصيرة ، أفضل من قراءة بعض آيات من سورة طويلة .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب