الحمد لله.
الغضب المذموم من الشيطان
اعلم ـ وفقك الله ـ أن الغضب المذموم من الشيطان، ولذا حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحث على معالجته بالطرق المشروعة، ولا تعارض قطعاً بين الوحي الإلهي ـ كتابا وسنة ـ وبين ما يقتضيه العقل الصحيح، فالإسلام لا يدعو إلى استئصال الغضب ومنعه بالكلية، بل هو ينظم تلك القوة النفسية في الإنسان بما يدفع عنه الضرر ويجلب له النفع أو لغيره.
حث الشرع الإنسان على أن يملك نفسه عند الغضب
فالغضب لابد حاصل للإنسان؛ لكن الشرع حث على تملك النفس عند الغضب، بحيث لا يأتي الغاضب بمحرم من قول أو فعل حين غضبه، كما في "صحيح البخاري" ( 61114) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فالقوي في الحقيقة؛ هو من يملك نفسه حين غضبه ، فلا يدفعه غضبه لعدوان أو فعل محرم أو مضرة لنفسه أو لغيره، ولن يتحصل ذلك بدون الصبر، والكظم، والعفو.
وتأمل في هذه الآيات من كلام ربنا تبارك وتعالى في سورة الشورى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ لشورى/36 - 43؛ لترى كيف رتب الله سبحانه درجات معالجة الغضب والتخلص من آثاره، حيث حث الله سبحانه عباده المؤمنين على المغفرة وضبط الغضب، دون استئصاله، فالإسلام لا يأتي بما يخالف الطبائع البشرية، بل بما يهذبها ويرقيها.
فالمتعين عليك عند الغضب أن تصبر، فإن الشيطان يدعو الناس عند الغضب أو الفرح إلى تعدي الحدود بقلوبهم وأصواتهم، وهذا هو المذموم، أن يؤدي الغضب لفعل محرم أو ضار.
ما هو المقصود بكظيم الغيظ المأمور به شرعاً
وكظم الغيظ هو اجتناب الوقوع في هذه المحاذير، وليس معناه أن تكتم في نفسك غيظا وحنقاً وغِلّا على أخيك، وتبقيه في نفسك؛ فإن هذا الغل والحقد هو الذي يورث الأمراض والأسقام، بل الحال الكاملة في مثل ذلك : أن تصرف الغضب والغيظ والحقد والحنق عن نفسك ، وتسليها عن ألم الغضب والغيظ ، وشهوة الانتصار: بما أعده الله لعباده وأوليائه جزاء على ذلك ، فيهون عليها ، وتتسلى عنه ، وتسكن ، وتبرد .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (658)، ورقم : (45647).
وخلاصة الأمر:
أن النهي عن الغضب هو نهي عن مطاوعة النفس في حال هيجان القلب واشتعاله بالغضب، فيقدم الإنسان على قول أو فعل ما لا يجوز له، أو ما قد يندم عليه بعد ذلك، وهذا هو أصلح ما يكون في دفع الهم والغم على الإنسان في عاجل أمره وآجله؛ إذ إن الواقع المشاهد يدل على ما لإنفاذ الغضب ومطاوعة النفس من آلام نفسية، وآثار سيئة يندم عليها الغاضب كثيرا بعد زوال غضبه، وربما لم يستطع إصلاح ما جناه عليه غضبه فيجلس في ضيق وهم؛ لا يقارن بما لو كظم غيظه وكبح جماحها، وكل الخير والعافية في اتباع كلام الله كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة مراد الله ورسوله والعمل به.
ثم لا يلزم من إنفاذ غضبك، أن يكون ذلك بالرد على من أغضبك، بانتقام، أو سب ، أو ضرب ، أو نحو ذلك ، بل بإمكانك أن تصرف طاقتك في رياضة مفيدة ، أو عمل نافع ، مع التسلي عن موجبات الهم والغضب، وتذكر ما لأصحاب الأخلاق الرفيعة، وكظم الغيظ من الأجر عند الله تعالى.
وينظر جواب السؤال رقم : (5733)، ورقم: (178255).
والله أعلم.
تعليق