الحمد لله.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (903) :
عَنْ يَحْيَى ، عَنْ عَمْرَةَ ، " أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ عَائِشَةَ تَسْأَلُهَا ، فَقَالَتْ : أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ يُعَذَّبُ النَّاسُ فِي الْقُبُورِ ؟
قَالَتْ عَمْرَةُ : فَقَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَائِذًا بِاللهِ .
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا ، فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحُجَرِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَرْكَبِهِ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ، فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ .
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ، ثُمَّ رَفَعَ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ، وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ الرُّكُوعِ ، ثُمَّ رَفَعَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ .
قَالَتْ عَمْرَةُ : فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ ، تَقُولُ : فَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ".
قال الشيخ العلامة محمد أمين الهرري، رحمه الله، في "الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم" (11/ 53) :
" قالت عائشة رضي الله عنها : ( فخرجت في نسوة ) أي : مع نسوة .
( بين ظهري الحجر ) أي : بين الحجرات .
و" ظهري " بفتح الظاء والراء وكسر الياء : تثنية ظَهْر . أصله ظهرين للحجر ، حذفت النون واللام للإضافة ، وهو مقحم بين المضاف والمضاف إليه . أي : مع نسوة بين حجرنا .
و " الحجر " : بضم الحاء المهملة وفتح الجيم تعني : بيوت الأزواج الطاهرات .
وفي بعض الهوامش : فكلمة ظهري مقحمة ، وهي تثنية : ظهر . ويقال : بين ظهراني بالألف والنون المزيدتين . يقال : هو نازل بين ظهرانيهم ، بفتح النون ، وبين ظهريهم ، بالتثنية ، وبين أظهرهم ، بالجمع ؛ كلها بمعنى : بينهم .
وفائدة إدخاله في الكلام : أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم ، والاستناد إليهم ، وكأن المعنى : أن ظهرًا منهم قدامه ، وظهرًا وراءه ، هذا أصله كما في المصباح " انتهى.
وقال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله:
"قوله: (بين ظهراني الحجر) ، أي: في ظهري الحجر، الألف والنون زائدتان. ويقال: الكلمة كلها زائدة.
والحجر، بضم الحاء المهملة وفتح الجيم: جمع حجرة ، والمراد بها بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يستنبط منه:
أنه يدل على أن عذاب القبر حق. وأهل السنة مجمعون على الإيمان به والتصديق، ولا ينكره إلا مبتدع.
وأن من لا علم له بذلك: لا يأثم.
وأن من سمع بذلك : وجب عليه أن يسأله أهل العلم ، ليعلم صحته.
وفيه: ما يدل على أن حال عذاب القبر عظيم، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت بالتعوذ منه." انتهى، من "عمدة القاري" (7/79).
وينظر للفائدة الفتوى رقم : (228904).
والله أعلم.
تعليق