الحمد لله.
أولًا :
يقول الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النور/27 .
يقول الشيخ "السعدي" : "يرشد الباري عباده المؤمنين ، أن لا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم ، بغير استئذان ، فإن في ذلك عدة مفاسد : منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال ( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) . فبسبب الإخلال به ، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت ، فإن البيت للإنسان ، في ستر عورة ما وراءه : بمنزلة الثوب ، في ستر عورة جسده .
ومنها : أن ذلك يوجب الرِّيبة من الداخل ، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها ، لأن الدخول خفية ، يدل على الشر ، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي : يستأذنوا .
سمي الاستئذان استئناسًا ، لأن به يحصل الاستئناس ، وبعدمه تحصل الوحشة ، ( وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) . وصفة ذلك ، ما جاء في الحديث: ( السلام عليكم ، أأدخل )؟
( ذَلِكُمْ ) ، أي : الاستئذان المذكور ( خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ، لاشتماله على عدة مصالح ، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة ، فإن أذن ، دخل المستأذن " انتهى من "التفسير" (565).
ثانيًا :
وأما تفصيل المواضع التي يستأذن فيها ، فقد جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/ 145)، وما بعدها ، تفصيل ذلك ، ونحن تختصره ونزيده توضيحًا في النقاط التالية :
1- إن من يريد دخول بيت من البيوت ، فإن ذلك البيت لا يخلو من أن يكون بيته أو غير بيته ، فإن كان بيته ، فإنه لا يخلو من أن يكون خاليًا ، لا ساكن فيه غيره ، أو تكون فيه زوجته ، وليس معها غيرها ، أو معها بعض محارمه ، كأخته وبنته وأمه ونحو ذلك.
فإن كان البيت بيته ، ولا ساكن فيه غيره ، فإنه يدخله بغير استئذان أحد ؛ لأن الإذن له ، واستئذان الشخص نفسه ، ضرب من العبث الذي تتنزه عنه الشريعة .
2- أما إن كان في بيته زوجته ، وليس معها غيرها ، فإنه لا يجب عليه الاستئذان للدخول ؛ لأنه يحل له أن ينظر إلى سائر جسدها ، ولكن يندب له الإيذان بدخوله بنحو التنحنح ، وطرق النعل ، ونحو ذلك ؛ لأنها ربما كانت على حالة لا تريد أن يراها زوجها عليها .
3- وإن كان في بيته أحد محارمه ، كأمه أو أخته أو نحو ذلك ، ممن لا يصلح له أن يراه عريانا ، من رجل أو امرأة ، فلا يحل له أن يدخل عليه بغير استئذان ، وهناك تفصيل في بعض الصور .
4- وإن كان البيت غير بيته ، وأراد الدخول إليه ، فعليه الاستئذان ، ولا يحل له الدخول قبل الإذن بالاتفاق ، سواء أكان باب البيت مفتوحا أو مغلقا .
ويستثنى من وجوب الاستئذان لدخول البيوت عمومًا :
- دخول البيوت غير المسكونة التي فيها متاع - أي منفعة - للناس ، فإنه يجوز دخولها من غير استئذان ، بناء على الإذن العام بدخولها ، وقد اختلف في تحديد هذه البيوت .
- ويستثنى من ذلك أيضًا ما إذا كان في ترك الاستئذان لدخول بيت إحياء لنفس أو مال ، حتى لو استأذن وانتظر الإذن تلفت النفس وضاع المال .
5- الأصل أنه لا يجوز للإنسان التصرف في ملك غيره ، أو في حق للغير إلا بإذن من الشارع ، أو من صاحب الحق ، وعندئذ لا يكون اعتداء ، فلا يجوز أكل طعام الغير إلا بإذن المالك ، أو في حالة الضرورة ، ولا يجوز سكنى داره إلا بإذنه .
6- استئذان المرؤوس رئيسه ، وهي مسألة خاضعة للعرف ، بمعنى : أنه إذا عُرف أن المدرس مثلًا لا يبيح الدخول للطلاب إلا بإذن ، فالواجب عليهم أن يستأذنوا ، لأن الولايات أقيمت رعاية للمصالح وحفاظا عليها ، واستئذان من له الولاية ، في حدود ولايته : أمر لا بد منه ؛ لتستقيم الأمور وتحسم الفوضى ، وهذا باب واسع .
7- وينبغي على الضيف أن يستأذن قبل الانصراف من بيت مُضيفه .
8- وإذا أراد الشخص أن يجلس بين رجلين فعليه استئذانهما .
9- وإذا أراد الشخص أن ينظر في كتاب فيه ما يخص غيره ، فعليه أن يستأذنه قبل النظر .
ثالثا :
يسقط الاستئذان لأسباب ، منها :
1- تعذر الإذن :
يسقط الاستئذان لسبب من أسباب التعذر ، كموت صاحب الإذن ، أو سفره سفرا بعيدا ، أو حبسه ومنعه من مقابلة أحد ، وكان التصرف لا يمكن تأخيره إلى حين قدومه من السفر ، أو خروجه من الحبس ، ونحو ذلك .
2- دفع الضرر :
يسقط الاستئذان إن كان في الاستئذان ضرر ، فيجوز بيع ما يخاف عليه التلف من الأمانات من غير استئذان ، ويجوز دخول البيت بغير استئذان إن كان ذلك الدخول يمنع من وقوع جريمة .
3- الحصول على حق لا يمكن الحصول عليه بالاستئذان :
يسقط الاستئذان عن صاحب الحق ، إن كان الاستئذان يفوت حقه ، فيجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف ، من غير استئذان ، إذا منعها النفقة - مثلًا - .
وينظر للفائدة حول الاستئذان وآدابه، هذه المادة :
رابعا:
قول الإنسان ( حمدًا فلان ) بمعنى: حمده على خير فعله ، أو صفة حسنة فيه ؛ جائز .
يقال حمدت فلانًا أحمده ، إذا أثنيت عليه بحمد على خصاله .
وفي الحديث : لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ رواه أحمد : (7939).
والحمد الذي لا يجوز صرفه لغير الله ، هو الحمد المطلق .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (146025) ، ورقم : (89945) .
والله أعلم
تعليق