الحمد لله.
حكم الترتيب في الوضوء
الواجب في الوضوء أن يكون على الترتيب الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الموافق لقوله تعالى:يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْالمائدة/6.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” (والترتيب)، وهو أن يطهر كل عضو في محله، وهذا هو الفرض الخامس من فروض الوضوء، والدليل قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
وجه الدلالة من الآية: إدخال الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة إلا الترتيب، وإلا لسيقت المغسولات على نسق واحد، ولأن هذه الجملة وقعت جوابا للشرط، وما كان جوابا للشرط فإنه يكون مرتبا حسب وقوع الجواب.
ولأن الله ذكرها مرتبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبدأ بما بدأ الله به.
والدليل من السنة: أن جميع الواصفين لوضوئه صلى الله عليه وسلم ما ذكروا إلا أنه كان يرتبها على حسب ما ذكر الله ” انتهى من “الشرح الممتع” (1 / 189 – 190).
حكم من أخل بالترتيب في الوضوء
وعلى ذلك؛ فمن أخل بهذا الترتيب، عن عمد: لم يصح وضوؤه.
سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” إنسان أخطأ في ترتيب الوضوء، مثلا: مسح على رأسه قبل غسل يديه وهو يعلم، فهل صلاته صحيحة بهذا الوضوء؟
فأجاب:
صلاته ليست بصحيحة؛ لأن هذا الوضوء ليس بصحيح، حيث بدأ بمسح رأسه قبل غسل يديه، والله -عز وجل- يقول: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، والنبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءا مرتبا، فإذا نكس الإنسان وضوءه فقد عمل عملا ليس عليه أمر الله ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أي: مردود عليه، فإذا رد الوضوء صار غير صحيح، وإذا صلى بهذا الوضوء فقد صلى بوضوء غير صحيح، فلا تقبل صلاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (1 / 27 ترقيم الشاملة).
فعليه في هذه الحال إعادة الوضوء والصلاة.
اختلف العلماء فيمن أخل بهذا الترتيب، عن خطأ، أو نسيان.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سقوط الترتيب بين أعضاء الوضوء للعذر، كالجهل والنسيان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله وهو يذكر اختلاف العلماء في حكم الترتيب بين أعضاء الوضوء، وهل يسقط بالنسيان أم لا؟
“فَالنَّاسِي مَعْذُورٌ بِكُلِّ حَالٍ. بِخِلَافِ الْمُتَعَمِّدِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ لِتَنْكِيسِ الْوُضُوءِ، وَبَيْنَ الْمَعْذُورِ بِنِسْيَانِ أَوْ جَهْلٍ. وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ مَذْهَبِ أحمد فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (21/409).
وهذا القول قوي ظاهر، وبناء عليه، فلا يلزمك إعادة تلك الصلاة.
وإن أعدتها احتياطًا: فهو حسن.
حكم الترتيب بين اليمنى واليسرى لليدين والرجلين
وأما الترتيب بين اليمنى واليسرى لليدين والرجلين، فليس بواجب لأنهما كالعضو الواحد.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
” وأجمعوا على أن لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه، وقد روينا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود أنهما قالا: لا تبالي بأي يديك بدأت ” انتهى من “الأوسط” (1 / 387).
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
” ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى، لا نعلم فيه خلافا؛ لأن مخرجهما في الكتاب واحد. قال الله تعالى: (وأيديكم) و (وأرجلكم).
والفقهاء يعدون اليدين عضوا، والرجلين عضوا، ولا يجب الترتيب في العضو الواحد، وقد دل على ذلك قول علي وابن مسعود ” انتهى من “المغني” (1 / 191).
وكذلك المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه، لا يجب الترتيب بينهما.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى رحمه الله تعالى:
” ولا يجب الترتيب بينهما – المضمضة والاستنشاق – وبين غسل بقية الوجه؛ لأنهما من أجزائه، ولكن المستحب أن يبدأ بهما قبل الوجه؛ لأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه بدأ بهما إلا شيئا نادرا ” انتهى من “المغني” (1 / 171)
وينظر لمزيد الفائدة هذه الأجوبة: (11497، 14321، 198604، 153791).
والله أعلم.
تعليق