الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل حب الله لعباده فى الجنة متساو وهل أهل الجنة يشعرون بالغيرة من أهل المنازل العليا ؟

السؤال

يتبادر هذا السؤال في ذهني من أسابيع ويؤرقني ، ولا أعرف أن أتجاهله ، ولم أجد له إجابة في بحثي في الإنترنت ، السؤال هو : هل حب الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة متساوٍ ؟ أم هو متفاضل مثل منازل أهل الجنة ؟ وهل أهل الجنة الأقل منزلة يشعرون بالغيرة من الأعلى منزلة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

حب الله تعالى لأهل الإيمان في الدنيا متفاوت، على قدر طاعتهم وانقيادهم وبذلهم لله تعالى، كما جاء في الحديث:  أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله  أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع".

وكما في حديث:  أحبُّ الناسِ إلى الله أنْفَعُهم لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدْخِلُه على مسلمٍ، تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عنه دَيْناً، أوْ تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أَمْشي مَعَ أخٍ في حاجَة؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجِدِ -يعني مسجدَ المدينَةِ- شَهْراً، ومَنْ كَظَم غيْظَهُ- ولو شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أمْضاهُ-؛ ملأَ الله قلْبَهُ يومَ القيامَةِ رِضاً، ومَنْ مَشى مَع أخيه في حاجَةٍ حتى يَقْضِيَها له؛ ثَبَّتَ الله قدَميْه يومَ تزولُ الأقْدامُ  رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع".

وأما في الجنة فنقول: الله أعلم، فإن مسائل الغيب ومنها ما يتعلق بأسماء الله وصفاته، لا يقال فيها بالرأي، بل يتوقف الكلام فيها على ما جاء في النصوص.

ثانيا:

أهل الجنة على درجات ومنازل، كما دلت على ذلك نصوص كثيرة، منها ما روى البخاري (3256) ، ومسلم (2831) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ  قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ:  بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ .

وروى مسلم (189) عن الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ .

وأما الغيرة، والغل ، والحقد ، والحسد: فإن ذلك كله مما ينزعه من قلوب أهل الجنة، فليس فيها غيرة ولا حسد ولا ضغينة ولا بغضاء.

قال تعالى:  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ  الحجر/ 45 – 48

قال السعدي رحمه الله: " وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ : فتبقى قلوبهم سالمة من كل دغل وحسد ، متصافية متحابة : إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ .

دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم ، وحسن أدبهم فيما بينهم ، في كون كل منهم مقابلا للآخر ، لا مستدبرا له ، متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر.

لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ لا ظاهر ولا باطن، وذلك لأن الله ينشئهم نشأة وحياة كاملة لا تقبل شيئا من الآفات " انتهى من "تفسير السعدي" ص 431 .

وقال تعالى:  وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا  الإنسان/ 21 .

قال ابن كثير رحمه الله: "أي: طهر بواطنهم من الحَسَد والحقد والغل والأذى ، وسائر الأخلاق الرّديَّة، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: إذا انتهى أهلُ الجنة إلى باب الجنة ، وَجَدوا هنالك عينين ، فكأنما ألهموا ذلك ، فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأخرى ، فَجَرت عليهم نضرةُ النعيم" انتهى من "تفسير ابن كثير" (8 / 293).

وروى البخاري (3006) ، ومسلم (5063) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ، أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ،  لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا  .

والألوة : العود .

والمهم أن يجتهد العبد لدخول الجنة ابتداء، ثم في نيل أعلى درجاتها.

قال تعالى:  فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ   آل عمران/185

رزقنا الله وإياك الجنة، ونجانا من النار.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب