الحمد لله.
أولًا :
روى "النسائي" في "السنن الكبرى" (7791)، و"ابن حبان" في "صحيحه" (1842) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَقْرِئْنِي مِنْ سُورَةِ يُوسُفَ أَوْ سُورَةِ هُودٍ قَالَ: يَا عُقْبَةُ، اقْرَأْ بِقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، فَإِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَ سُورَةً أَحَبَّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَبْلَغَ عِنْدَهُ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَفُوتَكَ، فَافْعَلْ .
وقد صححه بطرقه الحافظ "ابن كثير" في "تفسيره" (8/ 533) : " فَهَذِهِ طُرُقٌ عَنْ عُقْبَةَ ، كَالْمُتَوَاتِرَةِ عَنْهُ، تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْحَدِيثِ " انتهى.
وانظر "مسند الإمام أحمد" (17341).
وهذا الحديث بوب عليه "النسائي" فقال : " ذِكْرُ فَضْلِ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ "، انتهى .
وبوب عليه "ابن حبان" فقال : " ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ أَحَبِّ مَا يَقْرَأُ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا "، انتهى .
والظاهر أنه أراد أحب السور إلى الله في "التعوذ" خاصة ، لا في عموم القرآن .
والدليل على هذا ، ما ثبت عن عقبة بن عامر الجهنيّ ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل عليّ آيات لم ير مثلهنّ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ إلى آخر السّورة ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخر السّورة .
وعنه ، قال : اتّبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب ، فوضعت يدي على قدمه ، فقلت : أقرئني يا رسول الله سورة هود وسورة يوسف ، فقال : لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .
أخرجه "النّسائيّ" (953، 5439) ، و"الدّارميّ" (3314) .
ثانيًا :
لم يرد التصريح بأحب سورة إلى الله ، لكن أعظم سورة في القرآن ، هي سورة الفاتحة ، ولعل هذا مما يرجح كونها أحب السور إلى الله تعالى ، عن أبي سعيد بن المعلى قال : " مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيت ، فقال : ما منعك أن تأتي؟ فقلت : كنت أصلي ، فقال: ألم يقل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ؟ ، ثم قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد ، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكرته ، فقال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ، رواه "البخاري" (4703).
وقد تضمنت سورة الفاتحة جميع علوم القرآن ومقاصده ، وذلك لأنها تشتمل على الثناء على الله - عز وجل - بأوصاف كماله وجلاله ، وتنزيهه عن جميع النقائص ، وإثبات تفرده بالإلهية ، وإثبات البعث والجزاء ، وذلك من قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) إلى قوله : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) .
وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها ، والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى ، في قوله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ، وتشتمل على طريق السعادة الذي يدل عليه قوله تعالى : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) إذ معناه ، أنه لا تتم السعادة إلا بالسير على ذلك الصراط القويم ، فمن خالفه وانحرف عنه ، كان في شقاء مقيم .
وتشتمل كذلك على الوعد والوعيد من قوله : صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) مع أن ذكر المغضوب عليهم ولا الضالين يشير أيضًا إلى نوع قصص القرآن .
انظر : "أسماء سور القرآن وفضائلها"، منيرة الدوسري (97)؛ "التحرير والتنوير" (1/ 133).
وقد ورد في سورة الإخلاص، ومحبة قراءتها حديث عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ .
رواه البخاري (7375)، ومسلم (813).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وهذا يقتضي أن ما كان صفة لله من الآيات فإنه يستحب قراءته، والله يحب ذلك، ويحب من يحب ذلك " انتهى، من "الفتاوى الكبرى" (6/328).
وينظر أيضا للفائدة: جواب السؤال رقم : (10022) .
والله أعلم
تعليق