الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

هل من قتل طفله عمدًا يحرم من شفاعته له يوم القيامة؟

324762

تاريخ النشر : 25-04-2023

المشاهدات : 2256

السؤال

سمعت حديثًا يقول: إذا مات طفل قبل الحلم سوف يشفع لوالديه يوم القيامة، لذا إذا قَتل شخص ما طفله عمدًا، مثل: الأطفال والإجهاض، فهل يشفع لوالديه أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ثبت أن أطفال المسلمين لهم شفاعة عند الله لوالديهم، وجاء ذلك في عدة أحاديث، منها:

ما جاء عن أبي حسان قال: "قلتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فَلَا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ" رواه مسلم (2635) .

(دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ) أي يدخلون الجنة ولا يفارقونها.

(بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ) أي : بطرفه.

وعن مُعاذِ بنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم قالَ: ( وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَىْ الجَنَّةِ؛ إِذَا احْتَسَبَتْهُ) رواه ابن ماجه (1609) وحسنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/57) ، وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/39).

والسَّرَرُ: ما تقطعه القابلة من السرة. كما في "النهاية في غريب الحديث" (3/99).

وقد سبق بيان ذلك في عدة أجوبة، منها رقم: (21434).

ثانيًا:

يحرم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه باتفاق العلماء، وإسقاطه في هذه الحالة هو قتل إنسان بغير حق، وذلك من كبائر الذنوب التي تهلك صاحبها، ويستحق عليها الوعيد الشديد الذي ورد في قوله تعالى: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء /53.

كما أن إسقاط الجنين بعد نفخ الروح داخل في الوأد، الوارد في قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) التكوير/8 - 9.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (34/160) : " إسْقَاطُ الْحَمْلِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِنْ الْوَأْدِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، وَقَدْ قَالَ: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) " انتهى.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (247321)، ورقم: (111773).

ثالثًا:

لم يرد في السنة ما يدل على حكم هذه المسألة صراحةً، ولكن الذي يظهر أن الوالد إذا قتل طفله عمدًا بطريق الإجهاض أو غيره فإنه لا يشفع له يوم القيامة، وذلك لما يل : 

1- أن من قتل إنسانًا ينال بموته نفعًا؛ فإن قتله يكون سببًا في حرمانه من ذلك النفع .

ومن ذلك: أن الوالد إذا قتل ولده عمدًا فإنه لا يرثه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَوَارِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا) أخرجه أبو داود (4564) وحسنه الألباني.

بل ذهب جمهور العلماء إلى أن القاتل لا يرث من المقتول شيئًا، ولو كان قتله خطأ، لهذا الحديث.

قال ابن قدامة في "المغني" (6/245) : " أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً .... فأما القتل خطأ، فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضاً .." انتهى. 

2- ذهب جماعة من العلماء منهم : عطاء والإمام أحمد بن حنبل إلى أن الوالد إذا لم يعقَّ عن طفله ثم مات الطفل لم يشفع في والديه يوم القيامة.

وذلك لما رواه أبو داود (2838) وأحمد (20083) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى).

قال الخطابي في "معالم السنن" (4/ 285) : " قال أحمد : هذا في الشفاعة، يريد أنه إن لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في والديه" انتهى.

وقال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (12/ 269) : " قال الخطابي : تكلم الناس في هذا ، وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال : هذا في الشفاعة . يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلًا لم يشفع في والديه " انتهى .

فهذا إذا لم يعق الوالد عن ولده ، فكيف إذا قتله عمدًا ؟!

3- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ ) رواه البخاري (6533) ، ومسلم (1678). 

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، قَتَلَنِي هَذَا ، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ ) رواه الترمذي في " السنن " (3029) وقال : حديث حسن، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

ومقام التقاضي، والمخاصمة الشديدة، وفزع المقتول إلى الله جل جلاله ليقتص له من قاتله ظلما، وأخذه بتلابيبه، ليوقفه عند رب العالمين، وأحكم الحاكمين؛ هذا كله مناف لمقام الشفاعة، والتماس العفو والمعذرة من الله جل جلاله. وهذا ظاهر.

4- كما أن ظاهر الأحاديث الواردة في شفاعة السقط أو الطفل لوالديه تدل على أنه يشترط أن يحتسبه عند الله، وهذا لا يكون ممن قتل طفله!

والحاصل :

أن المسألة لم يرد فيها نص، ولم نقف على من تكلم فيها من أهل العلم؛ إلا أن الأقيس أن الوالد إذا قتل طفله عمدًا؛ فإنه لا يشفع له يوم القيامة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب