الحمد لله.
التحذير من التعرض للشبهات لغير المتخصص
الواجب أن تمتنعي عن النظر في الشبهات امتناعا تاما، إن أردت سلامة قلبك، وحفظ دينك، ونجاتك من النار، وليس هذا جبنا، بل هو معرفة بقدر النفس، فأنت لست راسخة في العلم حتى تجيبي على كل شبهة، وجوابك الضعيف فيه فتنة لك ولغيرك، والله لم يأمرنا أن ننظر في كل شبهة فنجيب عليها، بل الهدي النبوي هو الإعراض عما في أيدي الآخرين من الباطل، فقد روى الإمام أحمد (14736) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ : أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي والحديث حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (6/ 34).
فإذا كان هذا في حق عمر رضي الله عنه، فكيف بغيره من الناس.
وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ رواه أبو داود ( 4319 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد كان السلف يشددون في أمر الاطلاع على الشبهات، حتى لو كانت من مسلمين مبتدعة، فكيف بكفرة ملاحدة.
قال أبو قلابة رحمه الله: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم ".
وقال محمد بن النضر الحارثي: " من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة، وهو يعلم أنه صاحب بدعة، نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه ".
وقال عبد الرزاق الصنعاني الإمام: قال: قال لي إبراهيم بن أبي يحيى: " إني أرى المعتزلة عندكم كثيرا. قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم. قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا. قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وإن الدين ليس لمن غلب.
وانظري هذه الآثار في "الشريعة للآجري"، و"أصول اعتقاد أهل السنة" لللالكائي.
وقال الذهبي رحمه الله وساق قول سفيان: "من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه، وعنه: من يسمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لا يلقيها في قلوبه".
ثم قال الذهبي: " قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (7/ 261).
وحرم الفقهاء النظر في كتب أهل الكتاب وأهل البدع إلا لمن له أهلية يستطيع أن يرد عليها.
قال في "مطالب أولي النهى" (1/ 607):
" (ولا يجوز نظر في كتب أهل الكتاب نصا) ; لأنه صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوراة. وقال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب " الحديث.
(ولا) النظر في (كتب أهل بدع , و) لا النظر في (كتب مشتملة على حق وباطل , ولا روايتها). لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد.
(ويتجه جواز نظر) في كتب أهل البدع: لمن كان متضلعا من الكتاب والسنة، مع شدة تثبت، وصلابة دين , وجودة فطنة , وقوة ذكاء، واقتدار على استخراج الأدلة , (لردٍّ عليهم) وكشف أسرارهم , وهتك أستارهم , لئلا يغتر أهل الجهالة بتمويهاتهم الفاسدة ; فتختل عقائدهم الجامدة. وقد فعله أئمة من خيار المسلمين , وألزموا أهلها بما لم يفصحوا عنه جوابا. وكذلك نظروا في التوراة , واستخرجوا منها ذكر نبينا من محلات , وهو متجه" انتهى.
فاحمدي الله أن ردك إلى دينه، واشكريه على هذه النعمة، وأعرضي إعراضا تاما عن دخول مواقع الشبهات، أو محاورة أهلها أينما كانوا، وأقبلي على الله، بكثرة الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، وسترين انشراح صدرك، وطمأنينة نفسك.
ودعي عنك "ملك اليمين"، فلم يعد اليوم ملك يمين! فما انشغالك بهذا؟!
وأما ختان النساء فالراجح فيه أنه مكرمة ليس واجبا، وأنه يختلف باختلاف البلدان، فلا ينصح به في البلاد الباردة، ومتى رؤي فيه مصلحة، فليكن على يد طبيبة ذات خبرة، فيؤخذ شيء يسير، خلافا لما يفعله من الجهلة من استئصال البظر أو أكثره.
وينظر: جواب السؤال رقم : (45528) .
كما ينظر في شأن ملك اليمين: جواب السؤال رقم : (222559).
ولو أمكن أن تعرضي نفسك على طبيب نفسي، مسلم ثقة، عارف بدوافع الإلحاد النفسية: فهو خير لك، مفيد في استخراج ما في نفسك من ذلك، إن شاء الله.
نسأل الله أن يذيقك برد الرضا والاطمئنان، وأن يصرف عنك نزغات الشيطان.
والله أعلم.
تعليق