الحمد لله.
أولا:
يجوز أن يتفق صاحب الأرض مع من يزرعها مقابل نسبة من الزرع، ويسمى ذلك المزارعة.
قال في "كشاف القناع"(3/ 532): "(والمزارعة) - مشتقة من الزرع، وتسمى مخابرة، من الخَبَار، بفتح الخاء، وهي الأرض اللينة ، ومؤاكرة، والعامل فيها خبير ومؤاكر - : (دفعُ أرض وحب لمن يزرعه ، ويقوم عليه. أو) دفع حب (مزروع) ينمى بالعمل (لمن يعمل عليه بجزء مشاع معلوم من المتحصل) .
والأصل في جوازها: السنة. فمنها ما روى ابن عمر قال عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه.
وقال أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب : عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم أهلوهم إلى اليوم؛ يعطون الثلث أو الربع " . وهذا عمل به الخلفاء الراشدون، ولم ينكر؛ فكان كالإجماع.
ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأن كثيرا من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر؛ وأهل الشجر يحتاجون إلى العمل؛ ففي تجويزها دفع للحاجتين، وتحصيل لمنفعة كل منهما، فجاز، كالمضاربة" انتهى.
ويجوز أن يكون الحب والبذر من العامل، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (257699).
ثانيا:
وما جاء في السؤال: " وقد يتفقان على مبلغ معين" ، فهذا هو نوع آخر من المعاملة على الأرض، وهو إجارتها لمن يزرعها، مقابل مال معلوم يدفعه العامل لصاحب الأرض، وهو جائز أيضا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فصل: في إجارة الأرض، تجوز إجارتها بالورِق، والذهب، وسائر العروض، سوى المطعوم، في قول أكثر العلم. قال أحمد: فلما اختلفوا في الذهب والورق. وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتا معلوما جائز بالذهب والفضة" انتهى من "المغني" (5/ 318).
ثالثا:
يجوز شراء الحب والثمر وهما في المزرعة بعد بدو صلاحهما، ولا يدخل ذلك في تلقي الركبان المنهي عنه.
والحكمة من منع تلقي الركبان، ما فيه من الضرر على البائع، لجهله بسعر السوق، وأما المزارِع فيعرف سعر حبه وثمره، فلا ضرر عليه.
ثم هو لم يقصد السوق أصلا، وإنما باع زرعه مكانه، ولو أن الإنسان أتى الركبان في بلادهم، فاشترى منهم: لم يكن في ذلك من حرج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن المنكرات: تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لما فيه من تغرير البائع؛ فإنه لا يعرف السعر، فيشتري منه المشتري بدون القيمة؛ ولذلك أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له الخيار إذا هبط إلى السوق. " انتهى من "الحسبة" ص230
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "هل يجوز بيع المحاصيل الزراعية قبل الحصاد؟
فأجاب: هذا السؤال فيه إجمال:
فبيع المحاصيل قبل الحصاد، إن كان في الذمة، يبيعه أصوعًا معلومة أو كيلوات معلومة، في الذمة، لمدة كذا وكذا: هذا يتعلّق بالذمة، ولا حرج، إلى أجل معلوم، كأن يقول أبيعك مثلاً ألف كيلو من الرز، أو الحنطة إلى مدة شهرين وثلاثة، أقل أو أكثر بأجل معلوم، بثمن معلوم يقبض الثمن حالاً، هذا لا حرج فيه.
أو يبيع المحاصيل بعد بُدُوّ الصَّلاح، إذا صلحت الثمرة، واشتد الحب يبيعها: لا بأس أيضًا، يقول: اشتر مني هذه المزرعة، بعد ما اشتد حبها، وذهبت عنها الآفات لا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها.
إذا كان قد اشتد الحب واستوى، واشترى منه المزرعة بكذا وكذا، لا بأس بالنقود، لا بالطعام، أو بالطعام الحاضر يسلِّمه له، حتى لا يقع ربًا مثل مزرعة رزّ، اشتراها بأصوع بُرٍّ، أو من تمر يدًا بيدٍ لا بأس، أو اشتراها بنقود لا بأس، إذا اشتد حب الرز أي استوى، لا بأس بهذا، إن كان بنقود لا بأس، ولو في الذّمة.
أمَّا إن كان ربويًّا كأن يبيع مزرعة الرز بأصوع من بر أو من تمر، أو من عدس: هذا لا بد يكون يدًا بيدٍ، يتسلم الزَّرع هذا، ويتولى حصاده، وهذا يقبض الثمن، وهذا يكون له الزرع بالتّخْلية، متى حُصِد قبضَ الثمرة.
الحال الثالث: أن يبيع المحاصيل قبل بدو الصلاح، على أنّها تجزّ في الحال، يقول له: أنا أبيعك زرعي هذا، وهو لم يستو، أبيعك إياه على أنك تجزّه، تحصده الآن علفًا، أنا محتاج لا أريده يستوي، أنا محتاج للنقود، ويبيعه الزرع، قبل أن يستوي ليحصد لا ليبقى، هذا لا بأس به؛ لأنه حينئذ ليس فيه خطر، ولا فيه ضرر، يحصده الآن، ولا بأس يبيع الزروع علفًا تحصد الآن ولو ما استوت، لا بأس.
فهذه الأقسام الثلاثة: تبين الحكم الشرعي" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19/ 62).
والله أعلم.
تعليق