الحمد لله.
الأحاديث الواردة في المسيح الدجال تدل على أنه رجل من بني آدم ، وأنه ضال مضل ، وأنه كافر يدعو الناس إلى الكفر.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
" وهذه الأحاديث التي أدخلها مسلم في قصة الدجال: حجة أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص معين، ابتلى الله عباده، وأقدره على أشياء من قدرته ليتميز الخبيث من الطيب؛ من إحياء الميت الذى يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا، والخِصْب الذى معه، وجنته وناره، ونهريه، واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر، والأرض أن تنبت، فيكون ذلك كله بقدر الله ومشيئته، ثم يعجزه الله بعد ذلك كما قال: " ولن يسلط على غيره " فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ثانية، ولا على غيره، ويبطل أمره بعد، ويقتله عيسى - عليه السلام - ويثبت الله الذين آمنوا.
هذا مذهب أهل السنة وجماعة أهل الفقه والحديث ونظارهم... " انتهى من "إكمال المعلم" (8 / 474 - 475).
فإذا ثبت أنه كافر ، فمآله النار يوم القيامة؛ فإنه يدعي الربوبية ، ويستعمل ما أقدره الله عليه في إضلال الخلق وفتنتهم؛ ولذا مكتوب على جبينه "كافر".
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ ) رواه البخاري (7131)، ومسلم (2933).
ومآل الكافر النار كما هو معلوم.
ولأنه يُعبَد في هذه الدنيا برضاه ودعوته فهو موعود بالنار كما يدل على هذا قول الله تعالى:
( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ *وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) الصافات /22 - 24.
وقوله تعالى:
( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) الأنبياء/97 - 99.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو الأصنام، أو من عُبِدَ وهو راض بعبادته " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 531).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وأما من رضي بأن يعبد ويطاع في معصية الله، فهو مستحق للوعيد، ولو لم يأمر بذلك، فكيف إذا أمر؟ وكذلك من أمر غيره بأن يعبد غير الله، وهذا من " أزواجهم " فإن " أزواجهم " قد يكونون رؤساء لهم، وقد يكونون أتباعا، وهم أزواج وأشباه لتشابههم في الدين، وسياق الآية يدل على ذلك فإنه سبحانه قال: ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 / 68).
وقولك : إن الدجال مجبر غير مختار- قول غير صحيح؛ فأين الدليل على أنه ليس له اختيار؟ فمجرد كونه فتنة للناس لا يلزم منه أنه غير مختار لطريق الضلال ، بل هو راض به، ساع إليه، وسيقاتل الناس من أجله؛ كحال الشيطان، فهو فتنة للناس ومكنه الله تعالى من الوسوسة، لكن الشيطان اختار سبيل الضلال بعصيانه لأمر الله تعالى.
والله تعالى لن يعذب أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه واختياره الضلال على الهدى.
قال الله تعالى:
( وكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/13 - 15.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" والله تعالى أعدل العادلين لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة.
وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 455).
فمن دخل النار فلا شك أن الحجة قد قامت عليه، لكنه اختار الضلال، وهو يقر بذلك على نفسه.
قال الله تعالى عن أهل النار:
( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/6 - 11.
والله أعلم.
تعليق