الخميس 25 جمادى الآخرة 1446 - 26 ديسمبر 2024
العربية

حديث: مَنْ تَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ السِّحْرِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ مَعَ اللَّهِ

329186

تاريخ النشر : 27-07-2020

المشاهدات : 9636

السؤال

أريد شرح هذا الحديث، ومعرفة مدى صحته : ( من تعلم شيئاً من السِّحر قليلاً كان أو كثيراً كان آخر عهده من الله فحده القتل إلا أن يتوب)، و في رواية أخرى بدون (إلا أن يتوب) فما الأصح؟ وهل لتعلم السحر توبة ؟ وهل يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من تعلم السحر يمكن أن يتوب ؟ وماذا عن فاعله، هل له توبة ؟

ملخص الجواب

 حديث : ( مَنْ تَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ السِّحْرِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا،  كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ مَعَ اللَّهِ )، هذا الخبر إسناده ضعيف، لا يحتج به. ويراجع الجواب المطول في مسألة توبة الساحر ومن يتعلم السحر

الحمد لله.

أولا: الحكم على صحة هذا الخبر 

هذا الخبر رواه عبد الرزاق في "المصنف" (10 / 184) عَنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ تَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ السِّحْرِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا،  كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ مَعَ اللَّهِ  .

وهذا خبر مرسل؛ لأن صفوان بن سليم لم يدرك زمن النبوّة، والمرسل من أنواع الضعيف.

كما أن إبراهيم الذي يروي عنه عبد الرزاق أحاديث صفوان بن سليم: قد سماه في روايات عدة بأنه: إبراهيم بن محمد، وهو ابن أبي يحيى.

قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:

" إبراهيم بن أبي يحيى...

وهو إبراهيم بن محمد الذي حدث عنه محمد بن إدريس الشافعي وعبد الرزاق بن همام " انتهى من "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1 / 365 - 366).

وإبراهيم هذا : ضعيف، متروك الحديث.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي، أبو إسحاق المدني، متروك " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 93).

فالحاصل؛ أن هذا الخبر إسناده ضعيف، لا يحتج به.


ثانيا: توبة الساحر والذي يتعلم السحر 

وأما مسألة توبة الساحر ومتعلم السحر، فينظر إليها من وجهين.

الوجه الأول: من جهة نفعها له عند الله تعالى وفي الدار الآخرة، فلا شك أن التوبة مقبولة من كل ذنب، ولو كان شركا.

قال الله تعالى:  قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ  الزمر /53 - 54.

وهؤلاء سحرة فرعون تابوا وآمنوا، قال الله تعالى مخبرا عن حالهم:

 فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ، قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ، قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ  الشعراء/46 - 51.

الجهة الثانية: وهي إذا رفع الساحر إلى القاضي أو الحاكم، فأعلن الساحر توبته، هل يقبلها الحاكم فلا يعاقبه؟ أم تجب معاقبته حتى ولو أعلن توبته؟

هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، وبيّن أهل العلم أن مَن لم يقبل توبة الساحر في الدنيا، فمِن أجل أنه ربما ينافق بتوبته، فلا يعلم القاضي أو الحاكم صدقه من كذبه، فيقتل صيانة للمجتمع من شره المحتمل.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" وهل يستتاب الساحر؟ فيه روايتان:

إحداهما: لا يستتاب. وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحرا، وفي الحديث الذي رواه هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، أن الساحرة سألت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم متوافرون، هل لها من توبة؟ فما أفتاها أحد. ولأن السحر معنى في قلبه، لا يزول بالتوبة، فيشبه من لم يتب.

والرواية الثانية: يستتاب، فإن تاب قبلت توبته؛ لأنه ليس بأعظم من الشرك، والمشرك يستتاب، ومعرفته السحر لا تمنع قبول توبته، فإن الله تعالى قبل توبة سحرة فرعون، وجعلهم من أوليائه في ساعة، ولأن الساحر لو كان كافرا فأسلم، صح إسلامه وتوبته، فإذا صحت التوبة منهما صحت من أحدهما، كالكفر، ولأن الكفر والقتل إنما هو بعمله بالسحر، لا بعلمه، بدليل الساحر إذا أسلم، والعمل به يمكن التوبة منه، وكذلك اعتقاد ما يكفر باعتقاده، يمكن التوبة منه كالشرك.

وهاتان الروايتان في ثبوت حكم التوبة في الدنيا، من سقوط القتل ونحوه، فأما فيما بينه وبين الله تعالى، وسقوط عقوبة الدار الآخرة عنه، فتصح، فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد، من خلقه، ومن تاب إلى الله قَبِل توبته، لا نعلم في هذا خلافا " انتهى من"المغني" (12 / 303).

وطالعي لمزيد الفائدة الجواب رقم : (101873).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب