الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

قول المرأة: وامعتصماه هل هو من الاستغاثة بغير الله ؟

329874

تاريخ النشر : 17-11-2020

المشاهدات : 24940

السؤال

ذكر أحد الشيوخ أن من استغاث أو دعا غير الله فقد فسدت عقيدته، ولكن لدي سؤال : أنت تعلم قصة المرأة التي استغاثت بالمعتصم بالله رضي الله عنه، فقالت : " واه معتصماه"، فهنا استغاثت المرأة بغير الله تعالى، فهل فسدت عقيدتها بذلك ؟ لنعمم مثلا أنا استغثت بمسؤول في الدولة أو حاكم طعما في الدنيا، فاذكر اسمه، فهنا أنا خرجت عن العقيدة، ومن خرج عن العقيدة فقد كفر، إن كان كلامي خاطئا ، فآمل ذكر مثال واضح .

الحمد لله.

أولا: دعاء غير الله تعالى من الأموات والغائبين: شرك بالله تعالى

دعاء غير الله تعالى من الأموات والغائبين: شرك بالله تعالى؛ لأن الدعاء عبادة، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك، وقد جاء مصرحا بذلك في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى.

قال الله تعالى:  وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ  يونس/106.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره (15/ 219): " (فإنك إذًا من الظالمين)، يقول: من المشركين بالله، الظالمي أنفُسِهم" انتهى.

وقال تعالى:  إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ  فاطر/14.

وقال تعالى:  وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ  المؤمنون/ 117 .

وفي "صحيح البخاري" (4497) قال النبي صلى الله عليه وسلم:  من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار  .

وقد حكى العلماء الإجماع على كفر من يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 124).

وهذا الإجماع نقله غير واحد من أهل العلم مقرين له، وانظر في ذلك: "الفروع" لابن مفلح (6/ 165)، "الإنصاف" (10/ 327)، "كشاف القناع" (6/ 169)، "مطالب أولي النهى" (6/ 279).

قال في "كشاف القناع" بعد ذكر هذا الإجماع في باب حكم المرتد: "لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) " انتهى.

وقال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: "ولو جاء إنسان إلى سرير الميت يدعوه من دون الله ويستغيث به، كان هذا شركاً محرماً بإجماع المسلمين" انتهى من "الصارم المنكي في الرد على السبكي"، ص 325 .


ثانيا: الاستغاثة نوعان: استغاثة شركية، واستغاثة جائزة.

الاستغاثة نوعان:

1-استغاثة شركية، وهي طلب الغوث من ميت أو غائب، وهي نوع من الدعاء الذي تقدم حكمه، فإن الدعاء: طلب جلب النفع أو دفع الضر، والاستغاثة لدفع الضر.

2-استغاثة جائزة، وهي الاستغاثة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه، ومنه قوله تعالى:  فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ  القصص/15، وهذا من باب الأخذ بالأسباب المشروعة.

ومنه أن يستغيث الغريق بمن يراه من الناس لينقذه، أو أن يفزع إلى حاكم ومسئول ليخلصه من ورطة ونحوها، فهذا جائز.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والاستغاثة: طلب الغوث، وهو إزالة الشدة.

وكلام المؤلف رحمه الله ليس على إطلاقه، بل يقيد بما لا يقدر عليه المستغاث به، إما لكونه ميتا، أو غائبا، أو يكون الشيء مما لا يقدر على إزالته إلا الله تعالى، فلو استغاث بميت ليدافع عنه أو بغائب أو بحي حاضر لينزل المطر، فهذا كله من الشرك، ولو استغاث بحي حاضر فيما يقدر عليه كان جائزا، قال الله تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ، وإذا طلبت من أحد الغوث وهو قادر عليه، فإنه يجب عليك تصحيحا لتوحيدك أن تعتقد أنه مجرد سبب، وأنه لا تأثير له بذاته في إزالة الشدة، لأنك ربما تعتمد عليه وتنسى خالق السبب، وهذا قادح في كمال التوحيد" انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/ 260).


ثالثا: النداء ليس كله دعاء، بل يكون لأغراض كثيرة

النداء ليس كله دعاء، بل يكون لأغراض كثيرة، منها التوجع، والتحسر، والإغراء، والندبة، والخطاب الذي لا يراد منه طلب شيء من المخاطب، كما في مخاطبة الشعراء للجماد والسحاب وغير ذلك. وينظر: جواب السؤال رقم : (237968).

والندبة: هي نداء، المتفجع عليه أو المتوجع منه ، كقول الإنسان: وإسلاماه، واعمراه، وامعتصماه، واصلاح الدين، فهذا يرد منه التوجع لفقد هذا الإنسان، لا يراد منه طلب جلب نفع منه أو دفع ضر، ولا أنه يسمع الصوت فيجيب.

وفي "المعجم الوسيط" (2/ 910): " (الندبة) (فِي النَّحْو) النداء ب (وَا) مثل وامعتصماه" انتهى.

والغرض من الندبة هو الإعلام بعظمة المندوب، وإظهار أهميته، أو شدته، أو العجز عن احتمال ما به، أو التحسر على ذهابه وخسارة مثله، وتمني مجيء مثله.

ومنه قول فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وا أبتاه أو يا أبتاه أجاب ربا دعاه.

روى الحاكم (4768) عن علي رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقول: وا أبتاه مِن ربه ما أدناه، وا أبتاه جنان الخلد مأواه، وا أبتاه ربه يكرمه إذا أتاه، وا أبتاه الرب ورسله يسلم عليه حين يلقاه".

وروى البخاري (4462) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا:  لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ ".

فليس في هذا دعاء وطلب، وإنما هو ندبة وتوجع.

وكذلك قول المرأة: وامعتصماه، هو توجع منها لعدم وجود المعتصم، لا أنها تدعوه وتطلب منه، وهذا بخلاف المستغيث، فإنه يقصد الطلب من المستغاث به.

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "ما حكم قول المرأة في عمورية : وامعتصماه؟

فأجاب: "هذا توجع؛ ما هو  باستغاثة، توجع وندبة، هذا إن صح، توجع لخلو الزمان من مثل المعتصم، توجع لخلو الزمان من إمام ينصر الحق" انتهى من "شرح كتاب التوحيد"، شريط رقم 4 الوجه أ

وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "فضيلة الشيخ وفقكم الله، المرأة المسلمة التي ورد ذكرها في التاريخ وهي أنها قد صاحت فقالت : وامعتصماه ،هل يعتبر ذلك من دعاء الغائبين وهل يكون حجة للمخالفين ؟

فأجاب: " هذه ندبة ، هذه ندبة ، وهذه ما هي بحجة ! امرأة قالت : وامعتصماه يصير دليلا على هدم التوحيد !! ما هو بصحيح هذا!" انتهى من "فتاوى الفوزان":

https://majles.alukah.net/t110751-2/

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (250434)، ورقم : (237968)، ورقم : (285279)

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب