الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم تعيين الإمام لمأموم واحد يصحح له أخطاء التلاوة، وإذا غاب لا يأذن الإمام لغيره.

330985

تاريخ النشر : 28-01-2021

المشاهدات : 8660

السؤال

ما حكم توكيل الإمام لمأموم واحد فقط يصحح له إذا أخطأ، وأي مأموم آخر ولو حافظ للقرآن لا يسمح له بذلك، حتي وإن لم يتواجد هذا المأموم الموكل خلف الإمام ؟

ملخص الجواب

تعيين شخص واحد لتصحيح تلاوة الإمام، لا حرج فيه ما دام يحقق المقصود وفي حال غياب هذا المستخلف ليس من حق الإمام – حينئذ - أن يمنع أحدَا أن يفتح عليه ، فإنه ليس له أن يقرأ قراءة خاطئة ويمنع المأمومين من تصحيح  القراءة له ، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل

الحمد لله.

أولا:  حكم رد المأموم (الفَتْح) على الإمام  

من المشروع أن يفتح المأموم على الإمام إذا نسي أو أخطأ.

عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ يَزِيدَ الْأَسَدِيِّ الْمَالِكِيِّ، قَالَ: " شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ.

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَرَكْتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  هَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا  " رواه أبو داود (907).

وأعقبه بحديث مُحَمَّد بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلَّى صَلَاةً، فَقَرَأَ فِيهَا فَلُبِسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأُبَيٍّ:  أَصَلَّيْتَ مَعَنَا 

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ:  فَمَا مَنَعَكَ  " .

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهذا سند صحيح. رجاله كلهم ثقات. وقال النووي (4/241):

" صحيح كامل الصحة، وهو حديث صحيح " انتهى. وقال الخطابي في "المعالم"

(1/216):

" إسناده جيد ". وأخرجه ابن حبان أيضاً - كما في "التلخيص" (4/118) -.

وله شاهد من حديث المُسَوَّر بن يزيد المالكي...

قال الحافظ:

" وقد صح عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي قال: قال علي: إذا استطعمك الإمام؛

فأطعمه ". قال الخطابي:

يريد: إذا تعايا في القراءة؛ فَلَقِّنوه " انتهى من "صفة الصلاة" (ص 596 – 598).

وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" في مذاهب العلماء في تلقين الإمام:

قد ذكرنا أن مذهبنا استحبابه . وحكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، وابن معقل، ونافع بن جبير، وأبي أسماء الرحبي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحق.

قال: وكرهه؛ ابن مسعود، وشريح، والشعبي، والثوري، ومحمد بن الحسن.

قال ابن المنذر: بالتلقين أقول.

وقد يُحتج لمن كرهه بحديث أبي إسحق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا علي ، لا تفتح على الإمام في الصلاة )...

فضعيف جدا، لا يجوز الاحتجاج به؛ لأن الحارث الأعور ضعيف باتفاق المحدثين، معروف بالكذب، ولأن أبا داود قال في هذا الحديث: لم يسمع أبو إسحق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها " انتهى من "المجموع" (4 / 240 – 241).

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" إذا فتح على الإمام إذا ارتج عليه، أو رد عليه إذا غلط : فلا بأس به في الفرض والنفل...

لما روى ابن عمر...

ولأنه تنبيه لإمامه بما هو مشروع في الصلاة، فأشبه التسبيح...

وقال الحسن : إن أهل الكوفة يقولون: لا تفتح على الإمام. وما بأس به، أليس يقول سبحان الله " انتهى من "المغني" (2 / 454 – 456).

ثانيا: تحديد الإمام لشخص واحد فقط للرد عليه إذا أخطأ 

تعيين شخص واحد لتصحيح تلاوة الإمام، لا حرج فيه ما دام يحقق المقصود، وفيه مصلحة ظاهرة أيضا : ألا يحصل تشويش على الإمام والناس معه إذا كثر من يرد على الإمام ويفتح عليه ، وربما حصل من بعض المصلين خلفه نوع تسارع واستباق لذلك ، بل ومنازعة للإمام أيضا ، وفي ذلك من التشويش على المصلين ، واللبس ما لا يخفى مفسدته .

هل للإمام أن يمنع المأمومين من الرد عليه إذا غاب الشخص الموكل برده إذا أخطأ ؟

لكن مع ذلك : في حال غياب هذا المستخلف : لا نرى معنى لمنع غيره من الفتح على الإمام .  بل لو كان حاضرا في الصلاة ، ثم التبست عليه القراءة هو الآخر ، أو لم يتمكن من الفتح على الإمام ، واستدراك خطئه : فلا يظهر معنى لمنع غيره من القيام بذلك ، ما دامت المفسدة من المسارعة ومنازعة الإمام والتشويش على الناس مأمونة .

وليس من حق الإمام – حينئذ - أن يمنع أحدَا أن يفتح عليه ، فإنه ليس له أن يقرأ قراءة خاطئة ويمنع المأمومين من تصحيح  القراءة له ، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .

سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

" أنا أصلي خلف إمام حافظ لكتاب الله عز وجل في صلاة التراويح، وغيرها من الصلوات الجهرية، وأفتح عليه إذا أخطأ، ويقول الإمام: لا تفتح علي في الكلمات القصيرة. فنرجو من سماحتكم التوجيه في ذلك.

فأجاب:

المشروع أن تفتح عليه ، ولو قال: لا تفتح علي. إذا غلط يفتح عليه حتى يعلم المصلون في الآية التي ترك، أو الحرف الذي ترك، فالفتح عليه من باب التعاون على البر والتقوى، ولا ينبغي له أن يكره ذلك، بل ينبغي له أن يشكره " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (9 / 471).

ثالثا: الفتح على الإمام قد يكون واجبا وقد يكون مستحبًا .

ينبغي أن يُعلم أن الفتح على الإمام قد يكون واجبا وقد يكون مستحبًا .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" وإذا أُرْتِج على الإمام في الفاتحة : لزم مَن وراءه الفتح عليه، كما لو نسي سجدة لزمهم تنبيهه بالتسبيح " انتهى من "المغني" (2 / 456).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" الفتح على الإمام ينقسم إلى قسمين:

1 ـ فتح واجب.

2 ـ فتح مستحب.

فأما الفتح الواجب، فهو الفتح عليه فيما يُبطل الصلاة تعمُّده، فلو زاد ركعة كان الفتح عليه واجبا، لأن تعمد زيادة الركعة مبطل للصلاة، ولو لحن لحنا يحيل المعنى في الفاتحة لوجب الفتح عليه؛ لأن اللحن المحيل للمعنى في الفاتحة مبطل للصلاة... " انتهى من "الشرح الممتع" (3 / 250).

وإذا كان الإمام مصرا على منع من يفتح عليه ، وخشيتم من حصول نزاع ، وخصام فلا حرج عليكم إذا تركتم الفتح عليه دفعًا لمفسدة النزاع ، ما دام الفتح عليه ليس واجبا .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" الفتح على الإمام في الفاتحة واجب، يعني: لو نسي الإمام آية من الفاتحة، أو كلمة من الفاتحة، أو حرفاً من الفاتحة : وجب على من خلفه أن يفتحوا عليه؛ لأن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ )، فعليهم أن يفتحوا على الإمام ويردوا عليه، ولكن يكون بهدوء، ويكون الراد واحدا، لأنه إذا تعدد الذين يردون عليه اختلفت أصواتهم فلم يفهم الإمام ماذا عليه.

أما في غير الفاتحة: فإن كان يحيل المعنى : وجب الرد أيضا.

وإن كان لا يحيل المعنى، فالأمر فيه سهل: إن ردوا فهو أفضل، وإن لم يردوا فلا حرج عليهم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4 / 437 – 438).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب