الحمد لله.
الله سبحانه هو الخالق، وكل ما عداه مخلوق، كما قال سبحانه: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الزمر/62؛ فليس في الوجود إلا خالق ، وهو رب العالمين سبحانه ، أو مخلوق، وهو ما سوى الخالق سبحانه، ولا ثالث لهما في هذه القسمة .
وأنت مخلوق قطعا ، ولست خالقا؛ لست خالقا لا لنفسك ، ولا لغيرك!
والإشكال الذي سبب لك هذا : أنك حصرت الخلق في الخلق من عدم، وفاتك أن الخلق يكون كذلك، ويكون أيضا من مادة مخلوقة، وهو شأن هذا العالم الذي نشهده .
والخلق إما أن يكون خلقا مباشرا، كخلق آدم، أو بواسطة كخلق ذريته من ماء دافق. قال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ السجدة/7-9 .
فآدم مخلوق من طين، وليس من عدم، وذريته مخلوقة من ماء مهين، لكن آدم خلق مباشرة بالكلمة، وخلقه الله بيديه.
قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل عمران/59 .
وقال تعالى: قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ص/75 .
فالمخلوق من تراب: مخلوق. والمخلوق من نطفة: مخلوق كذلك.
قال سبحانه: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ النحل/3، 4
وقال سبحانه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ العلق/1، 2
فنحن جميعا مخلوقون من علق ومن نطفة، وأبونا آدم مخلوق من تراب أو طين أو صلصال كالفخار.
والخبز المصنوع من دقيق، مخلوق؛ لأن أصله من نبات وأرض، وهما مخلوقان، ولأنه ينتج بعمل الإنسان، وأعمال العباد مخلوقة لأنها بقدرة وإرادة مخلوقة.
وكذلك الهاتف الذكي مخلوق، لأنه مصنوع من مواد مخلوقة ، وبقدرة مخلوقة كذلك .
واعلم أن السموات والأرض خلقهما الله من مادة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد أخبر سبحانه أنه استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فخلقت من الدخان . وقد جاءت الآثار عن السلف أنها خلقت من بخار الماء؛ وهو الماء الذي كان العرش عليه المذكور في قوله: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء .
فقد أخبر أنه خلق السموات والأرض في مدة ، ومن مادة، ولم يذكر القرآن خلق شيء من لا شيء ؛ بل ذكر أنه خلق المخلوق بعد أن لم يكن شيئا ، كما قال: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ؛ مع إخباره أنه خلقه من نطفة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 235).
وقال القونوي في حاشيته على "تفسير البيضاوي" (10/ 123): " قوله: (فإنه خلق آدم ومواد النطف) : تعليل لكون التكوين من الأرض، لا للحصر، أي المراد من الخلق منها: الخلق بواسطة؛ فإنه تعالى خلق آدم الذي أبو البشر منها، أو خلق مواد النطف من الأغذية الحاصلة من الأرض. فيكون أفراد الإنسان مخلوقة من التراب بواسطة، سوى آدم عليه السلام فإنه خلق بلا واسطة" انتهى.
والله أعلم.
تعليق