الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

حكم التعامل بنظام الدروب شيبينج وطرق تصحيح المعاملة

السؤال

سأذكر سؤالي وهو : موضوع التجارة الإلكترونية أو الدروب شبينج، وجدت فتوى لكم تقول بالتحريم في هذا الباب، ووجدت فتوى في موقع آخر تبيحه وفق المذهب المالكي، إلا إذا كان طعاما فيحرم، وفتوى عندكم تقول بالجواز، لكن لم يكن السؤال بنفس الصيغة، فمثلا إذا راسلت أحد البائعين على الانترنت، وقلت له : أريد أن ابيع منتجك مقابل ربح أزيده أنا على ثمن المنتج الأصلي، أو لنقل أحدد معه كم أربح فوق ثمن المنتج الأصلي فهل هذا يعتبر حراما؟ أما الشكل الآخر لهذه المعاملة، والذي قلتم فيه بالتحريم، فهو البيع على منصة شوبيفاي، فهو بنفس الطريقة، يقوم البائع بالاتفاق مع بائع آخر على أن يبيع له تلك السلعة مقابل أجرا، إما يتفقان عليه، أو لا . والسؤال الأخير: لمادا التضيق على المسلمين في هدا الباب، مع أن جل الأحاديث التي وردت إما ضعيفة أو مرفوعة .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا كانت السلعة مباحة، فالممنوع في هذا الباب ثلاثة أمور:

1-أن يبيع الإنسان ما لا يملك، إلا إذا كان في صورة عقد السَّلم بضوابطه.

2-أن يبيع شيئا اشتراه ولم يقبضه.

3-أن يبيع ذهبا أو فضة أو عملات نقدية، من غير تقابض في مجلس العقد.

أما الأول فلأحاديث صريحة صحيحة، منها: ما روى النسائي (4613) وأبو داود (3503) والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي؛ أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ؟

قَالَ:  لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ  .

والحديث صححه الألباني في "صحيح النسائي".

وروى الترمذي (1234)، وأبو داود (3504)، والنسائي (4611) عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنُ ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ  وصححه الترمذي، والألباني.

وهذه المسألة لا خلاف فيها.

قال ابن قدامة في "المغني" (4/ 155): " ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ليمضي ويشتريها، ويسلمها، رواية واحدة. وهو قول الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا؛ لأن حكيم بن حزام قال للنبي: - صلى الله عليه وسلم - إن الرجل يأتيني، فيلتمس من البيع ما عندي، فأمضي إلى السوق فأشتريه، ثم أبيعه منه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تبع ما ليس عندك" انتهى.

وأما الثاني، فما جاء في حديث حكيم ابن حزام المتقدم:  إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ  .

رواه أحمد (15316)، والنسائي (4613) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم: (342).

وهذا يعم الطعام وغيره، فلا يجوز بيع ما اشتريته قبل أن تقبضه، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، خلافا لمن قيد المنع بالطعام من أهل العلم.

وأما الثالث، وهو منع بيع الذهب أو الفضة أو العملات، بواحد منها ، من غير تقابض، فانظر فيه جواب السؤال رقم : (182364 ) .

ثانيا:

قد تكلمنا على الدروب شيبينج في جواب السؤال رقم : (289386) وبينا المخرج الشرعي لتصحيح المعاملة، وذلك إما بعقد المرابحة، وإما بالوكالة بأجرة.

كما بينا صورة السَّلم، وأنه لابد فيها من تسلمك للثمن كاملا عند العقد، وأنه لا يصح لو كان المال يبقى عند الوسيط الإلكتروني، فراجع الجواب فإنه يغني عن تكراره هنا.

والصورة التي وردت لنا من قبل، كانت لشخص سيبيع السلعة لحساب نفسه، ثم يذهب فيشتريها.

وأما ما ذكرت أنت في سؤالك من أنه " إذا راسلت أحد البائعين على الانترنت وقلت له أريد أن أبيع منتجك مقابل ربح أزيده أنا على ثمن المنتج الأصلي، أو لنقل: أحدد معه كم أربح فوق ثمن المنتج الأصلي، فهل هذا يعتبر حراما"؟

فهذه صورة الوكالة، والوكيل لا يشترط أن يملك السلعة ، وإنما لبيع ما يملكه موكله.

وهذه الوكالة عن التاجر، فتعرض سلعته، وتبيعها له، مقابل عمولة معلومة تأخذها منه.

ويجوز أن يقول هو لك : أُريد في السلعة 100 مثلا، وما زاد فهو لك، فهذا جائز عند أحمد وإسحاق رحمهما الله، جعلاه شبيها بالمضاربة، ومنعه الجمهور للجهالة بأجرة الوكالة.

قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ . وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " انتهى.

واعلم أن هذه وكالة عن المتجر الأصلي، وما ذكرناه في الجواب رقم : (289386) هو الوكالة عن الزبائن في الشراء لهم.

فتحصّل من هذا : أن الدروب شيبينج يمكن أن يصح بأربعة صور:

1-صورة السلم، بشرطها.

2-المرابحة.

3-الوكالة عن الزبائن، بشرط أن تأخذ المال منهم وتشتري به، لا أن تشتري من مالك ثم تحاسبهم.

4-الوكالة عن المتجر الأصلي.

وبعد؛ فلتعلم أيها السائل الكريم، أنه ليس لنا غرض في التشديد على الناس، وليس ذلك مسلكا لنا؛ وإنما نجتهد في أن نتقيد بالنصوص الثابتة، ولا نخرج عما قاله الفقهاء، ونبحث لحوادث الناس، ومعاملاتهم، عن المخارج الصحيحة، ما وجدنا إلى ذلك سبيلا في كلام أهل العلم ؛ لا سيما إذا دعت إلى ذلك الحاجة، ووجدنا له سبيلا في كلام أهل العلم.

وأما بيع ما قد يستعمل في المباح والمعصية، ففيه تفصيل ينظر في جواب السؤال رقم : (67745).

ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب