الحمد لله.
أولا:
حديث : لولا أن الكلاب أمة من الأمم
جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ ، لَأَمَرْتُ بِقَتْلِ كُلِّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ ، فَاقْتُلُوا الْمُعِينَة مِنَ الْكِلَابِ ؛ فَإِنَّهَا الْمَلْعُونَةُ مِنَ الْجِنِّ .
أخرج هذا الحديث باللفظ المذكور: أبو يعلى في "معجمه"(ص: 183)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/349)، وفي "المعجم الأوسط"(3/136) وقال: " لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُمَارَةَ إِلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ".
كما رواه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (12/175).
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/43) وقال: " رواه أبو يعلى، والطبراني في الكبير، والأوسط، وإسناده حسن" انتهى.
والذي يظهر: أن الحديث بهذا اللفظ ؛ ضعيف ؛ لأن مداره على عبد الملك بن الخطاب بن عبيد الله بن أبى بكرة الثقفى البصرى، وهو مجهول الحال.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (6/393): " قال ابن القطان: حاله مجهولة " انتهى.
ولذلك ضعفه الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (13/132)، وذكر بأن قول الهيثمي إسناده حسن ليس حسنًا!
هذا وقد صح الحديث بلفظ آخر ، وهو : لَوْلاَ أَنَّ الكِلاَبَ أمَّةٌ مِنَ الأمَمِ لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا كُلَّ أسْوَدَ بَهِيمٍ رواه الترمذي(1486)، وصححه، وأبو داود(2845)، والنسائي(4280)، وابن ماجه (3205)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ثانيًا:
معنى : فاقتلوا المعينة من الكلاب فإنها المعلونة من الجن
أما معنى قوله: فَاقْتُلُوا الْمُعِينَة مِنَ الْكِلَابِ ؛ فَإِنَّهَا الْمَلْعُونَةُ مِنَ الْجِنِّ ؛ فقد جاء في "النهاية" لابن الأثير(3/333):
العِين: جَمْعُ عَيْنَاء، وَهِيَ الواسِعة العَيْن.
والرَّجُل أَعْيَن. وَأَصْلُ جَمْعِها بِضَمِّ الْعَيْنِ، فكُسِرَتْ لِأَجْلِ الْيَاءِ، كأبْيَض وبِيض.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقَتْل الكِلاب العِين" هِيَ جَمْعُ أَعْيَن. انتهى.
وبناء على هذا، يكون معنى العينة: صاحبة العين الواسعة.
كما جاء في "النهاية" لابن الأثير (1/453) : " وَقَالَ ابْنُ المُسَيّب : الحِنّ الْكِلَابُ السُّود المُعِينة " انتهى.
وجاء في "التعليق على الموطأ وتفسير لغاته"، للوقشي (2/372): " قَال عَلِيُّ بنُ أَبي طَالِبٍ: "الحِنُّ: الكِلابُ المَعيّنة، قَال القُتَبِيُّ: المُعينةُ: هِيَ التِي يُرى فوق عَينَيهَا كالعُيُوْنِ، وأَكْثَرُ مَا يَكُوْنُ ذلِكَ في السُّوْدِ.
وَقَال ابنُ عَبَّاسٍ: الجِنُّ السَّوْدُ مِنَ الكِلابِ. والحِنُّ -بِحَاءٍ مِهْمَلَة - البُقْعُ مِنْهَا.
وقِيلَ: الحِنُّ: سَفَلَةُ الجِنِّ، ذَكَرَهُ المُطَرِّز. قَال الخَلِيلُ : الحِنُّ: حَيٌّ مِنَ الجِنِّ، يُقَالُ: مِنْهُم الكِلابُ السُّوْدُ البُهْمُ، يُقَالُ: كَلْبٌ حِنِّيٌّ" انتهى.
وقال ابن منظور في "لسان العرب"(13/132): " قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الحِنُّ الكلابُ السُّود المُعينة. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الكِلابُ مِنَ الحِنِّ، وَهِيَ ضَعَفَةُ الجِنِّ، فَإِذَا غَشِيَتْكُم عِنْدَ طَعامِكم فأَلْقُوا لَهُنَّ ، فإِنَّ لَهُنَّ أَنْفُسًا" انتهى.
وينظر: "المجموع المغيث" لأبي موسى المديني (1/514).
وقوله: ( فإن لهن أنفسا ): يدل على أن المراد بـ( المُعِينة ): التي تصيب الناس بعينها، على وجه الحسد . قال الفتني، رحمه الله: "جمع نفس؛ أي أنها: تصيب بأعينها." انتهى من "مجمع بحار الأنوار"(1/596).
ولم يثبت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد أصحابه.
وعلى كلٍ: فالحديث ضعيف؛ لا يحتج به. وقد سبق الكلام عن حكم قتل الكلاب في جواب سؤال: (حكم قتل الكلب الأسود البهيم)، وانظر أيضاً جواب السؤال رقم: (171806).
والله أعلم.
تعليق