الحمد لله.
أولا:
حكم اختيار المسلم أدعية تناسب الحال التي يدعو بها
يجوز للمسلم أن يختار من الدعاء ما يشاء، فيدعو الله به، ويختار من الأدعية ما يناسب الحال التي يدعو بها، ما لم يكن في الدعاء الذي يدعو به ظلم لأحد أو اعتداء، وإن كان الأولى بالمسلم أن يحرص على الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن فيها الخير كله.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدعاء بعد التشهد في الصلاة: (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو) رواه البخاري (831)، ومسلم (402)، ولفظ مسلم: (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ).
قال النووي رحمه الله:
"وَفِيهِ: أَنَّهُ يَجُوز الدُّعَاء بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُور الْآخِرَة وَالدُّنْيَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور" انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (3/239):
"وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز الدُّعَاء فِي الصَّلَاة بِمَا اِخْتَارَ الْمُصَلِّي مِنْ أَمْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة" انتهى.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ، لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ؛ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا.
قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ!
قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ ). رواه أحمد (10749) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب".
وهذا يدل على أن للمسلم أن يدعو بما يشاء ؛ ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/197):" حَقِيقٌ بِالْمُفْتِي أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
وَكَانَ شَيْخُنَا كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ، وَكَانَ إذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ يَقُولُ: " يَا مُعَلِّمَ إبْرَاهِيمَ عَلِّمْنِي " انتهى.
ثانيا:
الدعاء المذكور لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه
هذا الدعاء الوارد في السؤال لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم –فيما نعلم- بهذا السياق.
وإنما أورده القليوبي في "نوادره" (ص183) فقال:" يقال في القراءة عند الدرس، ثم ذكره... ".
ولم يذكر حديثا يدل على سنية هذا الدعاء، مما يدل على أنه قاله اجتهادا، واختار هذا الدعاء لمناسبته للحال.
وهذا لا بأس به بشرطين:
الأول: ألا يعتقد الداعي ثبوت هذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سنة مشروعة يدعى الناس إلى الالتزام بها.
الشرط الثاني: ألا يلتزم الداعي هذا الدعاء باستمرار عند كل مذاكرة، ولا يجعله من الأوراد العامة في الناس؛ فإنه بذلك يخرجه من دائرة المباح، إلى دائرة السنة الراتبة التي تشبه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، التي يواظب عليها المسلم، وهذا يدخل المسلم في الابتداع في الدين.
قال الشاطبي في "الاعتصام" (1/53):" وَمِنْهَا - ( يقصد من البدع ) -: الْتِزَامُ الْعِبَادَاتِ الْمُعَيَّنَةِ فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يُوجَدْ لَهَا ذَلِكَ التَّعْيِينُ فِي الشَّرِيعَةِ، كَالْتِزَامِ صِيَامِ يَوْمِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَقِيَامِ لَيْلَتِهِ "انتهى.
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (22/510):" عَمَّنْ يَقُولُ: أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ شَيْئًا مِنْ الْأَذْكَارِ غَيْرَ مَا شَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ عَنْهُ: أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ وَأَخْطَأَ، إذْ لَوْ ارْتَضَى أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّهُ وَإِمَامَهُ وَدَلِيلَهُ، لَاكْتَفَى بِمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ الْأَذْكَارِ، فَعُدُولُهُ إلَى رَأْيِهِ وَاخْتِرَاعِهِ جَهْلٌ وَتَزْيِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ وَخِلَافٌ لِلسُّنَّةِ، إذْ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا إلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَشَرَعَهُ لَنَا، وَلَمْ يَدَّخِرْ اللَّهُ عَنْهُ خَيْرًا ؛ بِدَلِيلِ إعْطَائِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ إذْ هُوَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ. فَهَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَذْكَارَ وَالدَّعَوَاتِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَالِاتِّبَاعِ، لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ.
فَالْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ أَفْضَلُ مَا يَتَحَرَّاهُ الْمُتَحَرِّي مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَسَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ أَمَانٍ وَسَلَامَةٍ، وَالْفَوَائِدُ وَالنَّتَائِجُ الَّتِي تَحْصُلُ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانٌ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ إنْسَانٌ.
وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَذْكَارِ: قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ شِرْكٌ مِمَّا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَهِيَ جُمْلَةٌ يَطُولُ تَفْصِيلُهَا.
وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَسُنَّ لِلنَّاسِ نَوْعًا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ، غَيْرِ الْمَسْنُونِ، وَيَجْعَلَهَا عِبَادَةً رَاتِبَةً يُوَاظِبُ النَّاسُ عَلَيْهَا، كَمَا يُوَاظِبُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ؛ بَلْ هَذَا ابْتِدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ بِهِ.
بِخِلَافِ مَا يَدْعُو بِهِ الْمَرْءُ أَحْيَانًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلنَّاسِ سُنَّةً ؛ فَهَذَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى مُحَرَّمًا، لَمْ يَجُزْ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِهِ. لَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْإِنْسَانُ لَا يَشْعُرُ بِهِ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَدْعُو بِأَدْعِيَةِ تُفْتَحُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ؛ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ قَرِيبٌ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُ وِرْدٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ، وَاسْتِنَانُ ذِكْرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ: فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ.
وَمَعَ هَذَا؛ فَفِي الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ: غَايَةُ الْمَطَالِبِ الصَّحِيحَةِ، وَنِهَايَةُ الْمَقَاصِدِ الْعَلِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُفَرِّطٌ أَوْ مُتَعَدٍّ ". اهـ.
فبين رحمه الله أن الأدعية النبوية أفضل بكل حال، وأنه لا بأس بأن يدعو المسلم بما يشاء، إذا توفر الشرطان السابقان.
ثالثا:
بعض العبارات الواردة في الدعاء المذكور صحيحة دون تقييدها بالمذاكرة
أما الجواب عن صحة هذه الأدعية، فبعضها ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دون تقييده بالمذاكرة والدرس كقوله:" اللهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَارْزُقْنِي عِلْمًا تَنْفَعُنِي بِهِ ".
فهذا الدعاء صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (7819)، والحاكم في "المستدرك" (1879)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو يَقُولُ:( اللهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَارْزُقْنِي عِلْمًا تَنْفَعُنِي بِهِ ). والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3151).
تنبيه متعلق ببعض ألفاظ الدعاء المذكور
وأما قوله في الدعاء: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَهْمَ النَّبِيِّينَ، وَحِفْظَ الْمُرْسَلِينَ الْمُقَرَّبِينَ ". فهذا لفظ محتمل ؛ إذ يحتمل أن الداعي يسأل الله تعالى أن يكون فهمه في مرتبة فهم الأنبياء، وأن يكون حفظه كذلك، فإن كان هذا هو مراد الداعي، فهذا نوع من الاعتداء في الدعاء، لا يجوز.
فالأنبياء هم صفوة الخلق، واختصهم الله تعالى بخصائص عديدة، فهم أكمل البشر عقولا، وأصحهم فهما، وأسرعهم وأتقنهم حفظا، فلا يمكن لأحد أن يصل إلى مرتبتهم في ذلك.
وقد نص العلماء على أن من الاعتداء في الدعاء الذي نهى الله عنه بقوله: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/55 أن يسأل العبد الله تعالى منازل الأنبياء، وهذا يشمل النهي عن سؤال منازلهم في الفضل في الدنيا والآخرة، وأن يكون مثلهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/477):" وَالدُّعَاءُ بِبَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْعُدْوَانِ، كَمَا ذُكِرَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَكَمَا لَوْ سَأَلَ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ " انتهى.
وقال في "الاستقامة" (2/130):" وَنَوع من الدُّعَاء ينْهَى عَنهُ، كالاعتداء فِي الدُّعَاء، مثل أن يسْأَل الرجل مَا لَا يصلح لَهُ، مِمَّا هُوَ من خَصَائِص الانبياء، وَلَيْسَ هُوَ بِنَبِي " انتهى.
وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (3/523):" وقوله تعالى: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، قيل: المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء " انتهى.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (فهم النبيين، وحفظ المرسلين) أن يرزقه الله تعالى فهما صحيحا، وحفظا متينا، من جنس ما رزق الأنبياء من صحة الفهم، وسداد الحفظ، ولا يلزم أن يريد بذلك أن يكون مثل الأنبياء في حفظهم وفهمهم، من كل وجه ؛ وهذا المعنى سائغ لا محذور فيه، ويكون هذا كما سبق في كلام ابن القيم عن دعاء شيخه: "اللهم يا معلم إبراهيم علمني".
وبكل حال؛ فلو ترك المجمل المشتبه، ولزم الواضح الصحيح، فهو أحسن، وأبرأ لذمته.
رابعا:
الأفضل للمسلم أن يلتزم الأدعية الواردة عن النبي ﷺ
نوصي أنفسنا والسائل الكريم بلزوم دعوات النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يتخير من الدعاء أكمله وأحسنه وأجمعه.
ومن ذلك ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (974)، من حديث أنس رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:( اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ سَهْلًا إِذَا شِئْتَ ).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2886)
ومن ذلك ما أخرجه الطبراني في "الدعاء" (631)، من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( يَا شَدَّادُ بْنَ أَوْسٍ إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ).
والحديث جود إسناده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3228).
خامسا:
وسائل التخلص من الكسل
أما الكسل أخي السائل الكريم فيمكن التخلص منه بأسباب، منها:
أولا: سؤال الله العون، والتعوذ بالله من العجز والكسل.
فإن العبد لا حول له ولا قوة له على شيء البتة إلا بالله ومعونته.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه العون دوما، فيقول كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي في "سننه" (3551)، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ:(رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي ).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1353).
وروى البخاري في "صحيحه" (2823)، ومسلم في "صحيحه" (2706)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول:( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ).
ومنها: ملازمة الذكر والطهارة، خاصة عند الاستيقاظ من النوم.
فقد روى البخاري في "صحيحه" (1142)، ومسلم في "صحيحه" (776)، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ).
ومنها: صدق الإرادة في بلوغ الهدف، فإن الصدق مركب لا يضل حامله، وعلامته إعداد العدة والأخذ بالأسباب المتاحة الممكنة لبلوغ الهدف المنشود.
وقد قال الله تعالى:( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ). التوبة/48.
ومنها: مما يقوي الهمة، وينصر المرء على عجزه وكسله: القراءة في سير العظماء والمصلحين، وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلين ثم أهل العلم الربانيين، وكذلك قراءة سير المجاهدين والصالحين، كلٌ في بابه.
وهذا إنما يحصل عليه المرء بقراءة القرآن بتدبر، وكذلك دراسة سيرة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وكذلك قراءة كتب التراجم والسير، مثل كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي،.
وأخيرا، نوصي أنفسنا وإخواننا بتقوى الله تعالى، فبها يكون العلم وتيسير كل عسير.
قال سبحانه:( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ). البقرة/282.
وقال سبحانه:( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ). الطلاق/4.
ومن أراد الاستزادة يمكنه مراجعة الأجوبة التالية:
(هل صحت أدعية خاصة تقال في الامتحانات ؟ ).
(أدعية لتقوية الإيمان ، وتجنب الوسوسة . )
(كيف أتخلص من الكسل وأتفوق في الجامعة ؟ )
والله أعلم.
تعليق