الحمد لله.
هذا الحديث رواه البخاري معلّقا فلم يسق إسناده، وأخرجه مسندا ابن حبان في "الصحيح" (15 / 151):
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ .
وتابع يحيى عبدُ الرحمن بن مهدي وآدمُ بن أبي إياس عن شعبه، كما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4 / 453)؛ قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ ، وقال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ".
لكنه أشار إلى أنه ورد من طريق شعبة ، عن أبي سعيد رضي الله عنه، موقوفا عليه . حيث قال الحاكم رحمه الله تعالى:
" وَقَدْ أَوْقَفَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ.
أَخْبَرْنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ – الطيالسي -، عَنْ شُعْبَةَ " انتهى.
وتابعه على الوقف أبو يعلى الموصلي في "المسند" (991)؛ قال: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ .
ومثل هذا لا يقال بالاجتهاد ، فحكمه حكم الرفع.
لكن الإشكال في هذا الحديث؛ أن جماعة من الرواة الثقات شاركوا شعبة في هذا الإسناد، لكن ذكروا لهذا الإسناد متنا مغايرا ، وهم الحجاج بن حجاج، وأبان بن يزيد العطار، وعمران القطان، وسعيد بن أبي عروبة، كما بيّن ذلك البخاري رحمه الله تعالى (1593)، حيث قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، تَابَعَهُ أَبَانُ، وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ.
فرجّح البخاري رواية الجماعة لأنهم أثبت من الواحد، وسلامة روايتهم من الوهم والخطأ أكثر من سلامة رواية الواحد، فقال:
" وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ البَيْتُ )، وَالأَوَّلُ – أي رواية الحجاج وأبان وعمران – أَكْثَرُ " انتهى.
ونحو هذا قال ابن أبي حاتم:
" قال أَبِي: حديث أبان أصحّ من حديث شعبة " انتهى من "العلل" (6 / 530).
قال الكرماني رحمه الله تعالى:
" قول – البخاري -: و (الأول) أي حديث ( لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ ) يعني راوته أكثر عددا من رواة الثاني فهو المرجح.
فإن قلت: ما وجه المعارضة بينهما حتى يحتاج الى الترجيح؟
قلت: المفهوم من الحديث الأول: أن البيت يحج بعد أشراط الساعة، ومن – الحديث- الثاني: أنه لا يحج بعدها إذ قبلها هو محجوج قطعا...
قال البخاري "و الأول أكثر" يعني ان البيت يحج إلى قيام القيامة " انتهى من"الكواكب الدراري" (8 / 114).
لكن جماعة من المحققين رأوا أن رواية شعبة وردت من رواية الثقات، ولا تعارض بين الروايتين، فلا يبعد أن قتادة روى الحديثين جميعا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . ويكون معنى الحج بعد خروج يأجوج ومأجوج، هو الخبر عن بقاء المسلمين في ذلك الزمن فتستمر شعائر الإسلام، ومعنى انقطاع الحج في آخر الزمان، وهو بعد ارتفاع القرآن والإيمان بعد عيسى عليه السلام وموت جميع المسلمين، فلا يبقى إلا شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، فينقطع الحج يومئذ.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" ولا منافاة في المعنى بين الروايتين؛ لأن الكعبة يحجها الناس ويعتمرون بها، بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم، وطمأنينة الناس وكثرة أرزاقهم في زمان المسيح، عليه السلام، ثم يبعث الله ريحا طيبة، فيقبض بها روح كل مؤمن ومؤمنة، ويتوفى نبي الله عيسى ابن مريم، عليه السلام، ويصلي عليه المسلمون، ويدفن بالحجرة النبوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكون خراب الكعبة على يدي ذي السويقتين بعد هذا... " انتهى من"البداية والنهاية" (19 / 242).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ومن الجائز أن يكون الحديثان جميعا صحيحين ، لقوة إسنادهما ، وأن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت وقتا قبل قيامها ، وبعد خروج يأجوج ومأجوج ، جمعا بين الحديثين والله أعلم " انتهى من"تغليق التعليق" (3 / 68).
والله أعلم.
تعليق