الحمد لله.
أولا:
تقدم في جواب السؤال رقم (96922) أن من فاتته صلاة العيد أو تعذر عليه حضورها لمانع، جاز أن يصليها في بيته ولو منفردا، وهو مذهب الجمهور.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 289) : " من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه؛ لأنها فرض كفاية، قام بها من حصلت الكفاية به.
فإن أحب قضاءها : فهو مخير، إن شاء صلاها أربعا، إما بسلام واحد ، وإما بسلامين.
وروي هذا عن ابن مسعود، وهو قول الثوري؛ وذلك لما روى عبد الله بن مسعود، أنه قال: من فاته العيد فليصل أربعا، ومن فاتته الجمعة فليصل أربعا.
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: إن أمرت رجلا أن يصلي بضعفة الناس، أمرته أن يصلي أربعا. رواهما سعيد.
قال أحمد رحمه الله: يقوي ذلك حديث علي، أنه أمر رجلا يصلي بضعفة الناس أربعا، ولا يخطب.
ولأنه قضاء صلاة عيد، فكان أربعا ، كصلاة الجمعة .
وإن شاء أن يصلي ركعتين ، كصلاة التطوع. وهذا قول الأوزاعي لأن ذلك تطوع.
وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير، نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعيد، واختاره الجوزجاني، وهذا قول النخعي، ومالك، والشافعي، وأبي ثور وابن المنذر؛ لما روي عن أنس، أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة ، جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه، فصلى بهم ركعتين، يكبر فيهما.
ولأنه قضاء صلاة، فكان على صفتها، كسائر الصلوات، وهو مخير، إن شاء صلاها وحده، وإن شاء في جماعة.
قيل لأبي عبد الله: أين يصلي؟ قال: إن شاء مضى إلى المصلى، وإن شاء حيث شاء " انتهى.
وبهذا يتبين أن كونه يصليها على صفة صلاة العيد مع الإمام هو قول جمهور العلماء ، فيصليها على صفتها ، أي ركعتان بالتكبيرات الزوائد، دون خطبة.
ويتأكد صلاتها على صفتها الأصلية إذا لم يكن الأمر صورة قضاء فائتة ، كما هو الخلاف المذكور ، بل كان هو الصلاة الأصلية ، التي يتحقق بها أداء الفرض، أو قيام الكفاية ، كما هو الحال في شأن الناس اليوم ، إذا لم تكن تصلى صلاة العيد في المصليات ، أو المساجد ، كما هو الحال في معظم البلدان ؛ فلا يظهر ، والحالة هذه : أن تخالف بها صفة صلاة العيد المعروفة ؛ بل متى صلاها الرجل في بيته ، ونحو ذلك ، فينبغي أن يصليها على صفة صلاة العيد المعروفة .
ثانيا:
مذهب الشافعية أنه يسن للمنفرد إقامتها في بيته، فليس الأمر عندهم متعلقا بمن فاتته.
نقل المزني عن الشافعي رحمه الله في "مختصر الأم" (8/125) : " ويصلي العيدين المنفرد في بيته ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في المجموع (5/ 26): "أما الأحكام: فهل تشرع صلاة العيد للعبد والمسافر والمرأة والمنفرد في بيته أو في غيره؟
فيه طريقان، أصحهما وأشهرهما القطع بأنها تشرع لهم" انتهى.
وتسن الخطبة عندهم لمن صلاها من هؤلاء جماعة.
قال في مغني المحتاج (1/ 589): " (ويسن بعدهما خطبتان) للجماعة تأسيا به - صلى الله عليه وسلم - وبخلفائه الراشدين، ولا فرق في الجماعة بين المسافرين وغيرهم" انتهى.
وقال في تحفة المحتاج (3/ 40): " (و) تسن (للمنفرد) ، ولا خطبة له ، (والعبد والمرأة) ، ويأتي في خروج الحرة والأمة لها : جميع ما مر أوائل الجماعة ، في خروجهما لها ، (والمسافر) ، كسائر النوافل ، ويسن لإمام المسافرين أن يخطبهم" انتهى.
ثم قال في (3/ 45): " ومر أن الخطبة لا تسن لمنفرد" انتهى.
ومذهب المالكية أنها تستحب للمنفرد والمرأة والمسافر، ولا تسن.
قال الخرشي (2/ 98): " (ص) سن لعيد ركعتان ، لمأمور الجمعة ، مِن حِلِّ النافلة ، للزوال. (ش) : يعني : أنه اختلف في حكم صلاة العيد ؛ فالمشهور، كما قال : أنها سنة عين. وقيل : كفاية .
ويؤمر بها من تلزمه الجمعة، فيخرج العبد والصبي والمرأة والمسافر .
ومن هو خارج ثلاثة أميال من المصر: فلا تسن في حقهم، لكن يستحب كما يأتي" انتهى.
وقال في (2/ 104): " (ص) وإقامة من لم يؤمر بها ، أو فاتته .
(ش) أي إنه يستحب لمن لم يؤمر بالجمعة وجوبا ، أو فاتته صلاة العيد مع الإمام : أن يصليها.
وهل في جماعة، أو أفذاذا ؟ قولان " انتهى.
ورجح بعضهم أنها تصلى أفذاذا. وينظر: حاشية الدسوقي (1/ 401).
وعند المالكية أيضا : أنهم إذا صلوها جماعة، صلوها بلا خطبة.
قال الحطاب في مواهب الجليل (2/ 198): " وعلى جواز الجمع لمن فاتته من أهل المصر لا يخطب بلا خلاف وكذلك من تخلف عنها لعذر وكذلك العبيد والمسافرون واختلف في أهل القرى الصغار على قولين والله أعلم." انتهى.
وعليه، فلو صلى إنسان في بيته بأهله صلاة العيد، سُن له أن يأتي بخطبتين، على مذهب الشافعية، ولا يخطب على مذهب المالكية.
ويستدل للمذهبين ، في جواز إقامتها في البيوت ، بما رواه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم ، قال: " وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ ، فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ" انتهى.
وأنس لم تكن فاتته الصلاة، وإنما كان يسكن خارج البصرة على أميال منها.
قال ابن رجب في فتح الباري (9/ 76): " وأنس لم يفته في المصر، بل كان ساكناً خارجاً من المصر بعيداً منه، فهو في حكم أهل القرى، وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد -في رواية عنه" انتهى.
ثالثا:
أفتى العلامة الشيخ عبد الرحمن البراك أنه إذا تعذرت إقامة صلاة العيد في البلد بسبب الوباء والحظر، فحكمها حكم من فاتته صلاة العيد، فتصلى في البيوت دون خطبة.
سئل حفظه الله: " في مثل هذا الوقت حيثُ الصَّلاة في البيوت، بسببِ وباء كورونا، رفعه الله عن المسلمين، فما قولُ فضيلتكم في صلاة العيد؛ هل تُصلَّى في البيوت، وكيف تُصلَّى إذا قلتم بذلك؟
الجواب : الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد :
فإنَّ صلاةَ العيد إذا تعذَّرت إقامتُها لمانعٍ، كما في هذه الأيام، فحكمُها هو حكمُ مَن فاتته هذه الصَّلاة، أعني صلاةَ العيد .
وللعلماء في ذلك مذاهب، قيلَ: يُصلِّيها ركعتين، وقيلَ: أربعًا.
وقيلَ: يُصلِّيها على صفتها، وهو الصَّحيح، أي: يُصلِّيها ركعتين، ويُكبِّر التَّكبيرات الزَّوائد، ويجهرُ فيها بالقراءة ولا يخطب، كما هو الشَّأن في كلِّ عبادة مقضيَّة، أنَّها تؤدَّى على صفتها، وتُصلَّى فرادى وجماعة.
ويدلُّ لذلك فعلُ أنسٍ بن مالك -رضي الله عنه- أنَّه إذا فاتته صلاةُ العيد جمعَ أهله وبنيه، ثم قامَ عبدُ الله بن أبي عتبة مولاه فصلَّى بهم ركعتين، يكبرُ فيهما، كصلاة أهل المصر وتكبيرهم.
وأمَّا القول بأنَّ صلاة العيد لا تُقضى، فإنَّه لا يرد هنا؛ فإنَّ صلاة العيد في حالنا الآن لم تُصلَّ أصلًا، فلم يحصل أداء الفرض، لكن تُقاس صلاة العيد في هذه الحال على حال مَن فاتته، كما تقدَّم، والله أعلم" انتهى من موقع الشيخ:
https://sh-albarrak.com/article/18234
والحاصل:
1-أن من صلاها منفردا صلاها بلا خطبة.
2-ومن صلاها جماعة، فعلى مذهب الشافعية : يسن له أن يأتي بعدها بخطبتين. ومما يقوي جانب الإتيان بالخطبة، متى أمكن، ما ذكره الشيخ في جوابه : من أن الصلاة لم تصل أصلا ، ولم يخطب لها في المجامع العامة .
وعلى مذهب المالكية، والحنابلة، ومن يرون أن المعذور اليوم هو كمن فاتته، تصلى جماعة بلا خطبة.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (337550) في العدد المشترط لصلاة العيد
والله أعلم.
تعليق