الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

الجمع بين أن زوجة المؤمن من الحور العين تعرف بعض أحواله في الدنيا وبين أن من كظم غيظه خيره الله من الحور العين

340702

تاريخ النشر : 11-10-2021

المشاهدات : 5222

السؤال

هناك حديث عن الحور العين، وأحاديث أخرى تخيير من كظم الغضب في اختيار من شاء من الحور العين، في الحديث الأول، تمّ بالفعل إنشاء الحور العين، واختيارها للرجل المقدّر له أن يدخل الجنة، لكن الحديث الثاني فيه: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ)؟ وكيف تُلْعَنُ زوجة الرجل الكاظم لغيظه والتي تسيء إليه في الدنيا من الحور العين حسب الحديث الأول إذا لم يتمّ اختيارها له، لأن هذا الرجل سوف يختار الحور العين يوم القيامة؟ وضّح لي هذا التناقض.

ملخص الجواب

لا تعارض بين الأحاديث، أن يكون لكل مؤمن كحد أدنى زوجتان من الحور العين، ولا بُعد في أن يطلعهما الله على بعض أحواله في الدنيا، وأن العبد كلما ترقى في درجات الجنان كلما كثر هذا العدد من الحور العين، وأن هناك بعض الأعمال الصالحة التي جعل الله ثوابها أن يخير العبد المؤمن من الحور العين ما شاء.

الحمد لله.

المسلم الذي يدخل الجنة له زوجتان من الحور العين

فإنه قد جاءت الأحاديث التي تدل على أن أي مسلم يدخل الجنة له زوجتان من الحور العين، قد أعدهما الله له.

فقد أخرج البخاري في "صحيحه" (3254)، ومسلم في "صحيحه" (2834)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الحُورِ العِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ العَظْمِ وَاللَّحْمِ .

وثبت كذلك في السنة في عدة أحاديث كون هاتين الزوجتين أو إحداهما تطلع على بعض أحوال زوجها المؤمن في الدنيا، ومن ذلك:

ما أخرجه الترمذي في "سننه" (1174)، من حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا، إِلاَّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُورِ العِينِ: لاَ تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ اللَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا .

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (173)

ومنها ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2463)، من حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ مُنْتِنُ الرِّيحِ، قَبِيحُ الْوَجْهِ، لَا مَالَ لِي، فَإِنْ أَنَا قَاتَلْتُ هَؤُلَاءِ حَتَّى أُقْتَلَ، فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَكَ، وَطَيَّبَ رِيحَكَ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ  ، وَقَالَ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ:   لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، نَازَعَتْهُ جُبَّةً لَهُ مِنْ صُوفٍ، تَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُبَّتِهِ .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1381)

ومنها ما أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4008)، من حديث ابْنِ عُمَرَ:" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِخِبَاءِ أَعْرَابِيٍّ، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ يُرِيدُونَ الْغَزْوَ، فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ نَاحِيَةً مِنَ الْخِبَاءِ، فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ فَقِيلَ لَهُ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يُرِيدُونَ الْغَزْوَ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا يُصِيبُونَ؟ قِيلَ لَهُ: نَعَمْ، يُصِيبُونَ الْغَنَائِمَ، ثُمَّ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَعَمَدَ إِلَى بَكْرٍ لَهُ فَاعْتَقَلَهُ، وَسَارَ مَعَهُمْ فَجَعَلَ يَدْنُو بِبَكْرِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَذُودُونَ بَكْرَهُ عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  دُعُوا لِي النَّجْدِيَّ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لِمَنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ ، قَالَ: فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَاسْتُشْهِدَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَبْشِرًا - أَوْ قَالَ: مَسْرُورًا يَضْحَكُ - ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: رَأَيْنَاكَ مُسْتَبْشِرًا تَضَحَكُ، ثُمَّ أَعْرَضْتَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَّا مَا رَأَيْتُمْ مِنِ اسْتِبْشَارِي - أَوْ قَالَ: سُرُورِي -، فَلَمَّا رَأَيْتُ مِنْ كَرَامَةِ رُوحِهِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إِعْرَاضِي عَنْهُ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ الْآنَ عِنْدَ رَأْسِهِ .

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1382)

وهاتان الزوجتان هما الحد الأدنى من زوجات المؤمن في الجنة، فقد ثبت أن أدنى أهل الجنة منزلة له زوجتان من الحور العين.

فقد روى مسلم في "صحيحه" (188)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، رَجُلٌ صَرَفَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا  وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ: فَيَقُولُ:  يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟   إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَزَادَ فِيهِ:   وَيُذَكِّرُهُ اللهُ، سَلْ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ، قَالَ اللهُ: هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ:  ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَتَقُولَانِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا، وَأَحْيَانَا لَكَ ، قَالَ: " فَيَقُولُ:  مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ .

وثبوت الزوجتين من الحور العين لا ينفي الزيادة على ذلك، بل كلما ارتفعت درجة العبد كلما كثرت زوجاته في الجنة، وقد وردت في ذلك عدة أحاديث، منها:

ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (2838)، من حديث عبد الله بن قيس رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمِ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا .

وما أخرجه الترمذي في "سننه" (1663)، من حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ.

قال ابن رجب في "التخويف من النار" (ص267):" قوله: " لكل واحد منهم زوجتان " فهاتان الزوجتان من الحور العين: لا بد لكل رجل دخل الجنة منهما، وأما الزيادة على ذلك فتكون بحسب الدرجات والأعمال، ولم يثبت في حصر الزيادة على الزوجتين شيء.

و يدل أيضا على ما ذكرنا ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار، قِبَل الجنة، فذكر الحديث، و في آخره قال: ثم يدخل بيته فيدخل عليه زوجتان من الحور العين ". وذكر الحديث.

وكذلك ورد في الشهيد إذا استشهد: أنه يبتدره زوجتان من الحور العين.

فدل هذا على أن لكل رجل من أهل الجنة زوجتين من الحور العين، ولو كان أدنى أهل الجنة منزلة. والله أعلم ".

وقال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (7/180):" ( قوله: لكل واحد منهم زوجتان ) يعني: أن أدنى من في الجنة درجة له زوجتان، إذ ليس في الجنة أعزب، كما قال.

وأما غير هؤلاء فمن ارتفعت منزلته، فزوجاتهم على قدر درجاتهم، كما يأتي في قوله: في الجنة درة طولها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل للمؤمن ما يرون الآخرين ". اهـ

وقال ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص232):" ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين، لما في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر عن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة، طولها ستون ميلا للعبد المؤمن فيها أهلون فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا ".

من الأعمال الصالحة ثوابها أن يخير فاعلها من الحور العين ما شاء 

وإذا كان الأمر كذلك فلا مانع من أن يكون هناك بعض الأعمال الصالحة التي يجعل الله ثوابها أن يخير فاعلها من الحور العين ما شاء، زيادة على زوجتيه اللتين هما الحد الأدنى من الحور العين لكل مؤمن في الجنة.

ومن هذه الأعمال ما أورده السائل وهو كظم الغيظ مع القدرة.

فقد روى الترمذي في "سننه" (2021)، من حديث معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ .

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه" (3375).

فمما سبق يتبين أنه لا تعارض بين الأحاديث، أن يكون لكل مؤمن كحد أدنى زوجتان من الحور العين، ولا بُعد في أن يطلعهما الله على بعض أحواله في الدنيا، وأن العبد كلما ترقى في درجات الجنان كلما كثر هذا العدد من الحور العين، وأن هناك بعض الأعمال الصالحة التي جعل الله ثوابها أن يخير العبد المؤمن من الحور العين ما شاء.

ومن أراد الاستزادة يمكنه مراجعة الأجوبة:(98624)، (265455).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب