الحمد لله.
أولا:
إذا كان منك المال، ومن صاحبك العمل فقط، فهذه مضاربة، وإن كان منه مال وعمل، فهذه شركة عِنان، أو جامعة بين العنان والمضاربة.
قال في "كشاف القناع" (3/ 498): " والشركة التي وقع العقد فيها على مالين منهما، ليعمل فيه أحدهما بجزء زائد عن ربح ماله: عِنان، من حيث إن المال منهما، ومضاربة من حيث إن العمل من أحدهما في مال غيره " انتهى.
ثانيا:
العقد المذكور تضمن أمرين:
1-إعادة مبلغ الاستثمار عند إنهاء الشركة، وهذا يوحي بضمان رأس المال وليس صريحا في ذلك، ومعلوم أنه عند فض الشركة يعطى لرب المال أو لأرباب الأموال أموالهم، ثم يقسم الربح إن وجد، لكن إن لحقت الخسارة رأس المال بغير تعدّ أو تفريط من العامل، فإن هذه الخسارة تكون على رب المال، أو أرباب المال، فالنص على إعادة رأس المال، يوحي بالضمان وأنه سيعاد ولو مع الخسارة، فلو كتب مع ذلك: لا ضمان على العامل إلا إن تعدى أو فرط، لزال الإشكال.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (38/ 64): " نص الحنفية والمالكية على أنه لو شرط رب المال على العامل، ضمان رأس المال إذا تلف أو ضاع بلا تفريط منه: كان العقد فاسدا.
وهذا ما يؤخذ من عبارات الشافعية والحنابلة، لأنهم صرحوا بأن العامل أمين فيما في يده، فإن تلف المال في يده من غير تفريط: لم يضمن.
فاشتراط ضمان المضارب يتنافى مع مقتضى العقد" انتهى.
2-توقيت الشركة، أو توقيت المضاربة، وهذا لا حرج فيه إذا أعطي للشريك حق الفسخ، ولا مانع مما جاء في العقد من أن من أراد الخروج من الشركة أبلغ شريكه قبل خروجه بشهر.
وجواز توقيت الشركة بمدة معينة هو مذهب الحنفية والحنابلة، وينظر: الموسوعة الفقهية (38/ 64).
ثالثا:
قد خلا العقد من أمر مهم وهو النص على نسبة ربح كل طرف، وهذا واجب، ما لم يقولا: الربح بيننا فيكون مناصفة، ولا تصح المضاربة أو الشركة مع جهالة نسبة الربح لأطرافها.
فالممنوع في هذا الباب أمران:
1-أن يكون الربح مبلغا معينا، أو نسبة من رأس المال.
2-أن يكون الربح مجهولا.
ولا ندري على أي أساس سيعطيك الربح إذا لم تتفقا على نسبة توزيعه.
وهذا من الأخطاء الشائعة، وهو الظن بأن تحديد نسبة الربح لا يجوز، بل هذا التحديد واجب، والممنوع أن يكون نسبة من رأس المال أو مبلغا معينا.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض (المضاربة) إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة، وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي " انتهى من "المغني" (5/ 23).
رابعا:
إذا حصلت الخسارة الآن، فإن كانت بتعد أو تفريط من صاحبك، فإنه يضمن رأس مالك. وإن كان بغير تعد أو تفريط، فلا شي عليه.
وفي الموسوعة الفقهية (38/ 69): "ذهب الفقهاء إلى أن يد المضارب على رأس مال المضاربة يد أمانة، فلا يضمن المضارب إذا تلف المال أو هلك إلا بالتعدي أو التفريط. كالوكيل" انتهى.
فعليه أن يبين سبب الخسارة، وإذا اختلفتما في حصول التعدي أو التفريط، فإن الأمر يعرض على أهل الخبرة ليحكموا في ذلك.
خامسا:
قد ذكرت أن صاحبك رفض التوقيع على العقد:
1-فإن كان قد رفض التوقيع على العقد، ثم أخذ مالك، دون ذكر صيغة أخرى للعقد، فإن المال دين عليه؛ لأنكما لم تدخلا في مضاربة أو شركة. ولا علاقة لك بخسارته.
2-وإن كان بعد رفضه للعقد، ذكر صيغة أخرى، ورضيت بها، كأن قال: سأعمل، لكن لا أضمن رأس المال، فهذه مضاربة أو شركة، فإن قال مع ذلك: ولا أحدد نسبة الربح، فهذه مضاربة فاسدة أو شركة فاسدة.
وإذا فسدت المضاربة، وحصلت خسارة- بلا تعد أو تفريط-، فإن الخسارة تكون على رب المال، وأما العامل، ففيه خلاف: هل له أجرة المثل أو أجرة المثل إذا وجد ربح، أو له ربح المثل؟
أقوال للفقهاء، والراجح أن له ربح المثل، فإذا لم يكن ربح فلا شيء له.
والله أعلم.
تعليق