الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

من هم أصحاب الدرك الأسفل من النار؟

342595

تاريخ النشر : 12-08-2021

المشاهدات : 35092

السؤال

مَن مِن هؤلاء سيكون في الدرك الأسفل من النّار؟ سمعت أن فرعون وقومه سيكونون بينهم وكذلك المنافقين. هل يكون الشيطان منهم؟ سمعت أنّ من يعمل فاحشة قوم لوط سيمرّون بكل دركات جهنّم ويصلون في النهاية إلى الدرك الأسفل ثم يبقون فيه إلى الأبد؟ بما أنّ بني إسرائيل اليهود كانوا وما يزالون أكثر أمّة آثمة على الإطلاق وأكبر الكفّار والمشركين في الوجود، هل من الصحيح أنّهم أسوأ من أيّ أمّة موجودة وأسوأ من قوم نوح ، عاد ، ثمود ، لوط ، وشعيب وأسوأ من الوثنيين وقوم فرعون وقريش؟

ملخص الجواب

ثبت أن النار دركات، وأن المنافقين من أصحاب الدرك الأسفل، لكن لم يرد ما يفصل صورة توزيع أهل النار على هذه الدركات. وينظر للأهمية تفصيل الجواب المطول

الجواب

الحمد لله.

قد ثبت أن النار دركات، وأن المنافقين من أصحاب الدرك الأسفل، كما في قول الله تعالى:   إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا   النساء/145.

لكن لم يرد ما يفصل صورة توزيع أهل النار على هذه الدركات.

قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى:

" ووقع في كتب الزاهد والرقائق أسماء هذه الطبقات ، وأسماء أهلها من أهل الأديان ، على ترتيب لم يرد في أثر صحيح " انتهى. "التذكرة" (2 / 839).

ومن جعل فرعون من أصحاب الدرك الأسفل، فقد استفاده من أن الدرك الأسفل هو أشد العذاب، وفرعون قد توعده الله تعالى بأشد العذاب، كما في قوله تعالى:

 النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ   غافر /46.

وكذلك إبليس هو من أشد أهل النار عذابا لأن كل ذنوب المذنبين كان هو الداعي إليها.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى، معلقا على الآية السابقة:

" وهذا تنبيه على أن فرعون نفسه في الأشد من ذلك، لأنهم إنما دخلوا أشد العذاب تبعا له، فإنه هو الذى استخفهم فأطاعوه، وغرهم فاتبعوه. ولهذا يكون يوم القيامة إمامهم وفرطهم في هذا الورد، قال تعالى: ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ).

والمقصود: أنهم إنما استحقوا أشد العذاب لغلظ كفرهم، وصدهم عن سبيل الله وعقوبتهم من آمن بالله.

فليس عذاب الرؤساء في النار كعذاب أتباعهم، ولهذا كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل: (فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ).

والصحيح في هذه اللفظة – أي الأَرِيسِيِّينَ -: أنهم الأتباع.

ولهذا كان عدو الله إبليس أشد أهل النار عذابا، وهو أوّل من يكسى حلة من النار، لأنه إمام كل كفر وشرك وشر، فما عُصي الله إلا على يديه، وبسببه " انتهى. "طريق الهجرتين" (2 / 894).

وأما اليهود، فقد توعدهم الله تعالى أيضا بأشد العذاب، كما في قوله تعالى:

  ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  البقرة /85.

لكن من المعلوم أن أهل الملة الواحدة يتفاوتون في درجات الكفر والظلم والذنوب، فلا نعلم من نصوص الشرع ما يدل على جمع جميع أفراد الأمة الواحدة في دركة واحدة، ولا يمكن القول أن كل أفراد أمة كافرة ، هم أشد كفرا من أفراد الأمم الكافرة الأخرى.

قال الشيخ عمر سليمان الأشقر رحمه الله تعالى:

" وقد ورد عن بعض السلف أن عصاة الموحدين ممن يدخلون النار يكونون في الدرك الأعلى، ويكون في الدرك الثاني اليهود، وفي الدرك الثالث النصارى...

ولم يصح تقسيم الناس في النار وفق هذا التقسيم...

وصح أن الناس متفاوتون على قدر كفرهم وذنوبهم " انتهى، من "الجنة والنار" (ص 26).

كما أنه لا يمكن المقارنة بطريقة مجملة بين الأمم الكافرة، فقد تكون أمة شرا من أخرى من وجه ، وأفضل منها من وجه آخر، فاليهود قد يكونون أشر من كثير من الأمم الوثنية لما عرفوا به من ظلم وكبر وحقد وحسد، لكنهم أفضل من الوثنيين من جهة إقرارهم بالله تعالى وإيمانهم بجنس الرسالة فهم أهل كتاب.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وتغلّظ الكفر الموجب لتغلّظ العذاب يكون من ثلاثة أوجه:

أحدها: من خبث العقيدة الكافرة في نفسها، كمن جحد رب العالمين بالكلية ، وعطل العالم عن الرب الخالق المدبر له، فلم يؤمن بالله وملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا اليوم الآخر. ولهذا لا يُقَرُّ أرباب هذا الكفر بالجزية عند كثير من العلماء، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم اتفاقاً ، لتغلظ كفرهم، وهؤلاءِ هم المعطلة والدهرية وكثير من الفلاسفة وأهل الوحدة القائلين بأنه لا وجود للرب سبحانه وتعالى غير وجود هذا العالم.

الجهة الثانية: تغلظه بالعناد والضلال عمدا على بصيرة، ككفر من شهد قلبه أن الرسول حق لما رآه من آيات صدقه، وكفرَ عنادا وبغيا، كقوم ثمود، وقوم فرعون واليهود الذين عرفوا الرسول كما عرفوا أبناءَهم، وكفر أبى جهل وأُمية ابن أبى الصلت وأمثال هؤلاء.

الجهة الثالثة: السعي في إطفاءِ نور الله ، وصد عباده عن دينه بما تصل إليه قدرتهم، فهؤلاءِ أشد الكفار عذابا بحسب تغلظ كفرهم.

ومنهم من يجتمع فى حقه الجهات الثلاث، ومنهم من يكون فيه ثنتان منها أو واحدة...

-و- طبقة الرؤساءِ الدعاة الصادّين عن دين الله ، ليست كطبقة من دونهم " انتهى، من "طريق الهجرتين" (2 / 895).

وأما ما ذكرت من أن من يعمل فاحشة قوم لوط أنه يطاف به في جميع دركات النار ثم يخلّد في أسفلها، فلا يعلم نص صحيح بهذا، وإنما الذي وقفنا عليه هو خبر بلا إسناد تتناقله كتب الشيعة.

والثابت في شرعنا أن المسلم إذا ارتكب الفواحش ، فلا يكفر إلا إذا استحلها، فالخلود في النار يكون لأهل الكفر، وأما عصاة المسلمين إذا لم يغفر الله لهم ، فإنهم يطهّرون في النار زمنا ثم يدخلون الجنة.

راجع للأهمية جواب السؤال رقم (112113).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب