الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

شبهة أن القرآن الكريم نقل عن اليونان كيفية تكون الجنين

342738

تاريخ النشر : 04-02-2021

المشاهدات : 12088

السؤال

يقول الكفّار: إنّ محمد نسخ المعجزات العلمية للقرآن من الإغريق، وأنّه قد فشل؛ لأنّه قال في القرآن إننا خلقنا من الدّم وهذا ما اعتقده الإغريق، فكيف نرد على هذا؟

الجواب

الحمد لله.

ما يردده أهل الكفر هؤلاء، لا قيمة علمية له؛ لأن من قواعد البحث العلمي المنصف؛ أن أي فرضية لا يقطع بصحتها إلا بعد أن يقوم الباحث بوضع هذه الفرضية تحت وسائل البحث المناسبة، ويجمع البيانات التي تتعلق بها لتظهر الأدلة على صحتها أو بطلانها؛ فأي باحث ينتقل من الفرضية إلى النتيجة مباشرة دون أن يخضع هذه الفرضية للبحث والتمحيص وجمع الأدلة، فهو يعتبر غاشا في بحثه، وخائنا للأمانة العلمية.

وهذه الخيانة العلمية هي التي اتصف بها هؤلاء الكفار؛ حيث وجدوا لليونان قديما كلاما حول الأجنة ووجدوا أيضا أن القرآن الكريم قد أشار إلى أطوار الجنين، فافترضوا افتراضا خياليا وجود علاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وتراث اليونان! وإذا طولبوا بالحجة؛ فليس عندهم إلا مسألة أن الحضارة اليونانية وجدت قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

والباحث المنصف يعلم يقينا أن مجرد التعاقب الزمني لا يعد دليلا، إلا إذا أقيمت الأدلة على وجود اتصال وعلاقة للنبي صلى الله عليه وسلم بالتراث اليوناني، وليس مجرد تخيله، فكيف إذا علمنا أن الواقع التاريخي يدل على عدم وجود هذه العلاقة، بل يتبين للباحث أن هذه الشبهة نفسها دليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم.

فأولا:

النبي صلى الله عليه وسلم كان موطنه مكة، وكانت قبل النبوة بلاد جهل.

ولهذا قال تعالى بعد أن أوحى لنبيه صلى الله عليه وسلم أخبارا عن السابقين:  تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ   هود/49.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فأخبر أنه لم يكن يعلم ذلك هو ولا قومه، وقومه تقر بذلك " انتهى من"الجواب الصحيح" (1 / 403).

وكان موطنه صلى الله عليه وسلم تحيط به الصحارى المعيقة للتواصل بالأمم الأخرى، فلم يكن لأهل مكة تواصل علمي بالأمم الأخرى، إلا في أوقات تجاراتهم الصيفية والشتوية ومثل هذه الأسفار لا تسمح بارتياد المكتبات ومجالس العلم وتعلم لغات الأمم ومطالعة كتبهم العلمية؛ فأكثر ما يحدث من التواصل سماع عبارات أو حكم أو أمثال أو قصص ونحو هذا، والمتتبع لتاريخ الجاهلية وعصر النبوة لا يرى أي أثر لكتب اليونان وتراثهم عند العرب، ولم يشتغل العرب بترجمة كتب أطباء اليونان إلا بعد عصر الصحابة، وخاصة في عصر المأمون في زمن الخلافة العباسية.

ثانيا:

شخصيته وسيرته صلى الله عليه وسلم كانت معلومة لكل أهل مكة؛ ولذا كانت الحجة والدليل على صدقه، هو معرفتهم له، حيث قال الله تعالى مخاطبا لهم:

  أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ   المؤمنون/68 – 69.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" أي: أفهم لا يعرفون محمدا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم، أفيقدرون على إنكار ذلك والمباهتة فيه؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، للنجاشي ملك الحبشة: أيها الملك، إن الله بعث إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته. وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم، وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته، وكانوا بعد كفارا لم يسلموا، ومع هذا ما أمكنهم إلا الصدق؛ فاعترفوا بذلك " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5 / 484).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فدعاهم سبحانه إلى تدبر القول، وتأمل سيرة القائل وأحواله، وحينئذ تتبين لهم حقيقة الأمر، وأن ما جاء به في أعلى مراتب الصدق " انتهى من "الصواعق المرسلة" (2 / 469 - 470).

ومن سيرته صلى الله عليه وسلم التي عرفه بها أهل مكة: هو أنه لم يكن يعتني بالكتب ولا بالعلوم، ولا بالنقل عن الأمم الأخرى.

قال الله تعالى:  وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ  العنكبوت/48.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة، وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه، متواتر عند من غاب عنه، وبلغته أخباره من جميع الناس: أنه كان أميا لا يقرأ كتابا، ولا يحفظ كتابا من الكتب، لا المنزلة ولا غيرها، ولا يقرأ شيئا مكتوبا، لا كتابا منزلا ولا غيره، ولا يكتب بيمينه كتابا، ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها.

ومعلوم أن من يعلم من غيره إما أن يأخذ تلقينا وحفظا، وإما أن يأخذ من كتابه، وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه، ولا يقرأ مكتوبا، والذي يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وإما أن ينسخه، وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ " انتهى من "الجواب الصحيح" (5 / 338 – 339).

وقال الله تعالى:  قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ  يونس/16.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" أني قد لبثت فيكم عمري إلى حين أتيتكم به، وأنتم تشاهدوني وتعرفون حالي، وتصحبوني حضرا وسفرا، وتعرفون دقيق أمري وجليله، وتتحققون سيرتي هل كانت سيرة من هو من أكذب الخلق وأفجرهم وأظلمهم؟! فإنه لا أكذب ولا أظلم ولا أقبح سيرة ممن جاهر ربه وخالفه بالكذب والفرية عليه، وطلب إفساد العالم، وظلم النفوس والبغي في الأرض بغير الحق.

هذا وأنتم تعلمون أني لم أكن أقرأ كتابا ولا أخطه بيميني، ولا صاحبت من أتعلم منه؛ بل صحبتكم أنتم في أسفاركم لمن تتعلمون منه، وتسألونه عن أخبار الأمم والملوك وغيرها ما لم أشارككم فيه بوجه، ثم جئتكم بهذا النبأ العظيم الذي فيه علم الأولين والآخرين وعلم ما كان وما سيكون على التفصيل.

فأي برهان أوضح من هذا! " انتهى من "الصواعق المرسلة" (2 / 471).

ثانيا:

ما ينقل عن أطباء اليونان ولو افترض مشابهته لما جاء في القرآن الكريم، فكلام هؤلاء الأطباء هو مجرد وصف لمشاهدات جزئية لمراحل الجنين، ولم يكن لهم من أدوات التشريح ما يمكنهم من مشاهدة الجنين يوما فيوما، حتى يصفوه وصفا قاطعا كوصف القرآن الكريم، فقد وصفه وصفا دقيقا.

كقوله تعالى:  يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا   الحج/5.

والسنة ذكرت زمن كل طور من أطوار جنين الإنسان، موافقا لما هو مشاهد بالآلات في زمننا، ولا يمكن أن يكون هذا الخبر إلا من خالق الخلق العالم به.

عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ:   إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ...   رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" الذي دل عليه الوحي الصادق عن خالق البشر؛ أن الخلق ينتقل في كل أربعين يوما إلى طور آخر، فيكون أولا نطفة أربعين يوما ثم علقة كذلك، ثم مضغة كذلك، ثم ينفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين يوما فهذا كأنك تشاهده عيانا...

وإنما مع القوم – أطباء اليونان ونحوهم - كليات وأقيسة، وينبغي أن يكون كذا وكذا، والنظام الطبيعي يقتضي كذا وكذا.

وكثير منهم يأخذ ذلك من حركات القمر وزيادته ونقصانه ومن حركات الشمس... " انتهى من "تحفة المودود" (ص 375).

وتميز القرآن عن كلام أهل اليونان بذكره النشأة الأولى للإنسان ومصيره بعد موته.

كقوله تعالى:   وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ   المؤمنون /12 – 16.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فاستوعب سبحانه ذكر أحوال ابن آدم ، قبل كونه نطفة ، بل ترابا وماء ، إلى حين بعثه يوم القيامة " انتهى من"تحفة المودود" (ص 355).

فأين التشابه بين وصف الأطباء للجنين وصفا سطحيا وجزئيا، ووصفا ماديا لا غاية من ورائه إلا حب اكتشاف الجديد، وبين وصف القرآن لجميع أطوار الإنسان من النشأة الأولى، إلى بعثه يوم القيامة، وسياق كل هذا حجة على أهل الشرك ليتركوا شركهم ويوحدوا الخالق سبحانه في العبادة والألوهية.

ثالثا:

لو كان ما ذكر في القرآن الكريم مجرد اجتهاد بشري ترجمه النبي صلى الله عليه وسلم من كلام أطباء اليونان لظهر ذلك في عباراته؛ فأي باحث يتدبر القرآن الكريم، ثم يتدبر كل ترجمات المترجمين لكتب اليونان: سيلاحظ مدى اختلاف اللغة، ويلاحظ كيف أن الترجمة تؤدي إلى ظهور مصطلحات أعجمية، ونحت كلمات جديدة، لتوافق كلام أهل اليونان، وكل آثار الترجمة لا يظهر لها وجود في نصوص القرآن الكريم، وهذه من الحجج التي أشار إليها الوحي، حيث قال الله تعالى:  وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ  النحل/103.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" أي: كيف يكون تعلمه من ذلك البشر؟! مع أن ذلك البشر أعجمي اللسان، وهذا القرآن عربي مبين فصيح، لا شائبة فيه من العجمة؛ فهذا غير معقول " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 443).

رابعا:

من المعلوم أن وصف أطباء اليونان لكيفية تكون الجنين ليس محل اتفاق وإنما كان بينهم تباين، فكيف اهتدى النبي صلى الله عليه وسلم إلى القول الصحيح دون غيره من الأقوال؟

ولو كان القرآن كلام بشر فكيف هدي في وصف جميع المخلوقات المذكورة في القرآن إلى أصح وصف لها؟ هل هذا في قدرة بشر؟

بل هذا كله تصديق لقوله تعالى:  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا* وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا  الفرقان/4 – 6.

وفي المقابل ما يقوم به هؤلاء الكفرة من فرحهم بكل علم يحسبون أنه مبطل للقرآن الكريم، يصدق فيهم وصف الله تعالى لأعداء الرسل:

فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ   غافر/83.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب