السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

اختلاف الرواة في سياق حادثة طلب عمر من ابنه طلاق زوجته

344719

تاريخ النشر : 15-02-2021

المشاهدات : 3640

السؤال

أواجه تناقض بين حديثين، في الحديث الأول ذهب عمر إلى النبي وذكر الأمر عليه، بينما في الحديث الثاني ذهب ابن عمر إلى النبي ليذكر الأمر، في الحديث الأول يبدو أنّ النبي أخبر عمر أن يطلّق ابن عمر زوجته، بينما في الحديث الثاني أعطى النبي الأمر لابن عمر مباشرة، فهل هذان الحديثان صحيحان؟ وكيف يمكننا حلّ التناقض بينهما حيث يذكر كلاهما نفس الحدث بأسلوب مختلف؟

ملخص الجواب

الحديثان ليس بينهما تعارض بحمد الله تعالى. فالرواة اختصروا الخبر ولم يذكروه بتمامه، واكتفوا بمحل الحكم فاعتنوا به. فالروايات تدل على أن كلا من عمر وابنه رضي الله عنهما قد ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القضية، وخاطبهما كليهما. واختصار الخبر إذا كان لا يؤثر في المعنى : لا حرج فيه ، وعليه العمل عند عامة أهل العلم.

الحمد لله.

الروايات التي فيها أمر ابن عمر بطلاق زوجته

 روى الترمذي (1189) عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي أَبِي أَنْ أُطَلِّقَهَا، فَأَبَيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:   يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، طَلِّقْ امْرَأَتَكَ  .

قال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".

في هذه الرواية يخبر عبد الله بن عمر أنه بنفسه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقضية طلاق امرأته.

ورواه أبو داود (5138) عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِي الْحَارِثُ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ وَكُنْتُ أُحِبُّهَا ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَقَالَ لِي: طَلِّقْهَا، فَأَبَيْتُ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَلِّقْهَا .

وفي هذه الرواية يخبر عبد الله بن عمر أن الذاهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمخبر له هو والده عمر رضي الله عنه، وبنحو هذا رواه ابن ماجه (2088).

هل يوجد تعارض بين الروايات 

والحديثان ليس بينهما تعارض بحمد الله تعالى.

فالرواة اختصروا الخبر ولم يذكروه بتمامه، واكتفوا بمحل الحكم فاعتنوا به.

فالروايات تدل على أن كلا من عمر وابنه رضي الله عنهما قد ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القضية، وخاطبهما كليهما.

كما تفصل وتبيّن هذا رواية الإمام أحمد في "المسند" (9 / 54) عن ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَهَا، فَأَبَيْتُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَةً كَرِهْتُهَا لَهُ، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَأَبَى، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  يَا عَبْدَ اللهِ طَلِّقِ امْرَأَتَكَ!  فَطَلَّقْتُهَا "، وقوى إسناده محققو المسند.

فالرواية فصلت وبينت أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب عمر وابنه ، وهذا يدل على حضورهما عنده.

وفصلت رواية أخرى الحادثة أكثر، فبينت أن عمر ذهب أولا، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلب عبد الله.

روى الإمام أحمد في "المسند" (9 / 143) عن ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَهَا، فَأَبَيْتُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ طَلِّقِ امْرَأَتَكَ! فَطَلَّقْتُهَا "، وقوى إسناده محققو المسند.

فالحاصل :

أن الرواة اختصروا الحادثة ، فبعضهم اكتفى بالإخبار عن ذهاب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم اقتصر على ذهاب ابن عمر.

واختصار الخبر إذا كان لا يؤثر في المعنى : لا حرج فيه ، وعليه العمل عند عامة أهل العلم.

قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:

" هل يجوز اختصار الحديث الواحد، ورواية بعضه دون بعض؟ اختلف أهل العلم فيه:

فمنهم: من منع من ذلك مطلقا، بناء على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقا.

ومنهم: من منع من ذلك، مع تجويزه النقل بالمعنى، إذا لم يكن قد رواه على التمام مرة أخرى، ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام.

ومنهم من جوز ذلك وأطلق ولم يفصل.

وقد روينا عن مجاهد أنه قال: " انقص من الحديث ما شئت، ولا تزد فيه ".

والصحيح : التفصيل، وأنه يجوز ذلك من العالم العارف، إذا كان ما تركه متميزا عما نقله، غير متعلق به، بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه، فهذا ينبغي أن يجوز... " انتهى من "مقدمة ابن الصلاح" (ص 324).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب