الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ماذا كتب في اللوح المحفوظ؟

346371

تاريخ النشر : 24-02-2021

المشاهدات : 30916

السؤال

هل كل ما هو مقدّر ومكتوب في اللوح المحفوظ فقط ما سوف يحدث حتى الساعة أو يوم القيامة، أم إنّ كلّ علم الله يعني حتى ما يأتي بعد الساعة وما لم يحدث أو كان من الممكن أن يحدث في هذه الحياة مثل كل الاحتمالات اللانهائية لما يمكن أن يحدث وليس فقط ما حدث وسوف يحدث؟ هذا الأخير يبدو أشبه بالشرك، لكن يأتيني وسواس بأنني جاهل، وقد لا يكون كذلك، فهل ارتكبت الكُّفر بطرح مثل هذا السؤال؟ أريد أن أبدأ في الاستمتاع بالبحث عن المعرفة والعلم، ولكنّي دائمًا أخشى أن أفعل ذلك، بسبب التفكير الدائم ربما أكون قد ارتكبت الكفر عند التعلّم، ثمّ يأتيني الوسواس.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

وردت طائفة من نصوص الوحي دالة على كتابة مطلقة للأقدار.

كقول الله تعالى:  مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ   الأنعام/38.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) أي: ما أهملنا ولا أغفلنا، في اللوح المحفوظ شيئا من الأشياء، بل جميع الأشياء، صغيرها وكبيرها، مثبتة في اللوح المحفوظ، على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم.

وفي هذه الآية، دليل على أن الكتاب الأول، قد حوى جميع الكائنات، وهذا أحد مراتب القضاء والقدر، فإنها أربع مراتب: علم الله الشامل لجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الموجودات، ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء، وخلقه لجميع المخلوقات، حتى أفعال العباد " انتهى من"تفسير السعدي" (ص 255 - 256).

وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ  رواه البخاري (3191).

ونصوص الوحي يفسر بعضها بعضا، فقد ورد ما يفسر هذه الكتابة بأنها مختصة بما يكون إلى أن تقوم الساعة.

روى الإمام أحمد في "المسند" (37 / 378)، وأبو داود (4700) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ  .

وصححه محققو المسند، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (3 / 148).

ورواه الترمذي (3319) بلفظ:   إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ   وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ".

قال المباركفوري رحمه الله تعالى:

" ( إِلَى الأَبَدِ ) قيل: الأبد هو الزمان المستمر غير المنقطع، لكن المراد منه ههنا الزمان الطويل، يدل عليه رواية ابن عباس عند البيهقي والحاكم ففيها: (إِلى أنْ تَقُومَ السَّاعَةُ) " انتهى من"مرعاة المفاتيح" (1 / 182).

فمجموع هذه النصوص تدل على أن الكتابة متعلقة بما علم الله تعالى وقدّر وقضى بأنه سيكون، وأنها محدودة بقيام الساعة.

فتحصل من ذلك أن مرتبة الكتابة : محدودة ، بدءا ، وانتهاء ؛ فإن لها بداية معروفة؛ وذلك : أول ما خلق الله القلم ، فأمره بالكتابة، فمن حينئذ كتب في اللوح المحفوظ.

ولها منتهى، وذلك : ما يكون من الحوادث والمقادير، إلى أن تقوم الساعة .

وعلم الله جل جلاله، لا مبتدأ له ، ولا منتهى ؛ فما زال عليما خبيرا ، قبل خلق القلم ، وقبل خلق اللوح المحفوظ ، ولا يزال عليما بكل شيء سبحانه ، بعد أن تقوم الساعة ، ولا يزال عليما خبيرا ، أبدا أبدا .

ولذلك يفرق أهل العلم في مراتب القضاء والقدر : بين المرتبة الأولى، مرتبة العلم ، وهي الأعم والأوسع . والمرتبة الثانية، وهي مرتبة الكتابة.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (49004)،ورقم : (138798).

ثانيا:

استفسار المسلم عن أمور دينه، هو أمر محمود.

قال الله تعالى:  فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ   النحل/43.

وقال الله تعالى:  فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ، وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ  يونس/94 – 95.

لكن بشرط أن يصلح المسلم نيته في البحث والسؤال ، فيسأل ويبحث للتفقه ، وإزالة ما في نفسه من شبهات، وليس على سبيل الجدال ، أو التنقير عن غوامض الأمور، وما لا منفعة له في دينه .

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" فمن سأل مستفهما راغبا في العلم، ونفي الجهل عن نفسه، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء العي السؤال.

ومن سأل معنتا غير متفقه ولا متعلم، فهذا لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره " انتهى من" التمهيد" (21 / 292).

كما على المسلم أن يهتم بالبحث عما ينفعه في دينه، فلا يستكثر من المسائل التي لا نفع فيها، وقد تثير الشبهات في قلبه.

طالع للفائدة جواب السؤال رقم : (9410).

والذي نخشاه عليك ، من خلال ما قرأناه في سؤالك : أن تكون مصابا بداء الوسواس، عافانا الله وإياك منه، ومن كل مكروه وسوء .

فاحذر يا عبد الله أن تدع الوساوس والخطرات تتمكن من قلبك، فتوقع في نفسك الخطرات، وتجرك إلى أبواب من الشبهات، أنت في غنى عنها في دينك .

واحذر أيضا : أن تصرف عن تعلم ما ينفعك ، مما يترتب عليه أمر دينك ، وعبادتك لرب العالمين.

وننصحك ، إن كنت تعلم من نفسك الابتلاء بها : أن تبادر بعلاجها ، قبل أن تسترسل خلف الأسئلة البعيدة .

وينظر الأجوبة المتعلقة بذلك في موقعنا .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب