الحمد لله.
أولا:
إنشاء جمعية خيرية لإعانة الفقراء على أداء فريضة الحج : عمل صالح ، لكن يجب النظر فيها إلى مصدر مالها:
الحالة الأولى:
إن كان مصدر المال هبات وصدقات تطوع من مؤسسها أو من غيره ؛ ففي هذه الحال لا حرج فيها.
وقد سبق في جواب سؤال (الحج على نفقة الغير) أنه لا حرج على المسلم أن يحج على نفقة غيره .
بل هذا باب من أبواب الخير، لما فيها من إسعاد الفقراء بتأدية هذه العبادة الجليلة التي يتطلع إليها قلب كل مسلم.
لكن مع ذلك ؛ ينبغي النظر في حال الناس في بلد السائل ، من فقر أو غنى ، وينظر في حاجاتهم؛ فيدفع الأهم منها ، فالمهم ، ويختار من الأعمال أحسنها، وليس مجرد الحسن منها.
الحالة الثانية:
وأما إن كان مصدر مال هذه الجمعية هو مال الزكاة الواجبة، ففي صرف مال الزكاة في حج الفقير خلاف بين أهل العلم، وجماهير أهل العلم على أن الحج ليس من مصارف الزكاة.
وينظر: جواب سؤال (إعطاء الفقير من الزكاة ليحج).
والمسئول عن أموال الزكاة : وال عليها، فعليه أن يتصرف فيها بأحسن وجه، وأن يتقيد في صرف الزكاة، بمصارفها الشرعية المحددة لها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها...
وقد أجمع المسلمون على معنى هذا؛ فإن وصي اليتيم، وناظر الوقف، ووكيل الرجل في ماله؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح، كما قال الله تعالى : ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ). ولم يقل إلا بالتي هي حسنة... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (28 / 250) .
ومادام الخلاف قويا في هذه المسألة، وأكثر أهل العلم على المنع من صرف مال الزكاة في حج الفقراء؛ فالواجب على القائم على جمع أموال الزكاة ، وإيصالها لمستحقيها : ألا يغرر بعبادة الناس، والمال المؤتمن عليه ؛ بل يصرفه في مصارفه المعروفة المتفق عليها، لا سيما وحاجات الناس كثيرة، ومتنوعة، والفقراء كثر، وليس في أموال الناس، في المعتاد من الأحوال، ما يفيض عن حاجة المحتاجين، ويزيد عن سد خلتهم.
فإن كان القائم يعتقد جواز صرف الزكاة في الحج : فليكن ذلك من ماله هو ، ومن زكاته هو ، أو من زكاة من عينها لحج الفقراء، وكان يعتقد جواز ذلك .
قال عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
" والضابط في هذا أن مأخذ المخالف إن كان في غاية الضعف، والبعد من الصواب: فلا نظر إليه، ولا التفات عليه ...
وإن تقاربت الأدلة في سائر الخلاف، بحيث لا يبعد قول المخالف كل البعد: فهذا مما يستحب الخروج من الخلاف فيه؛ حذرا من كون الصواب مع الخصم.
والشرع يحتاط لفعل الواجبات والمندوبات، كما يحتاط لترك المحرمات والمكروهات " انتهى من "قواعد الأحكام" (1/ 253 – 254).
وقال النووي رحمه الله تعالى:
" فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف؛ إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (2/23).
وكذا إذا كان المال ليس زكاة، لكن المتصدق عُرِف من قوله أو عرفه أنه يتصدق لدفع الحاجة الماسة للفقير من أكل أو شرب أو لباس أو دواء ونحو هذا، ففي هذه الحال يجب أن يصرف المال في المصرف الذي قصده المتبرع؛ وعرفت عادته به.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ رواه أبو داود (3594)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5 /142).
ثانيا:
إذا كان المتبرع قد تحققت لديه الاستطاعة على الحج، فالواجب عليه أن يبادر بنفسه إلى حج الفريضة، راجع للأهمية جواب السؤال رقم (146390).
وأما إن لم تتوفر لديه الاستطاعة المالية، والمال الذي لديه لا يكفي للحج، فالحج في هذه الحال غير واجب عليه لعدم تحقق الاستطاعة، فله أن يتبرع بشيء من ماله لإعانة غيره على الحج، لأنه لا يجب على المسلم أن يدخر مالا للحج.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" هل يجب عليه أن يجمع مالا لكي يزكي، وهل يجب عليه إذا تم الحول على نصاب من المال، أن يقوم بما يلزم لإخراج الزكاة؟
الجواب: لا يجب عليه جمع المال ليزكيه، ويجب عليه إذا حال الحول على نصاب من المال أن يقوم بما يلزم لإخراج زكاته.
والفرق بينهما: أن ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، وأما ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فتحصيل المال ليزكي تحصيل لوجوب الزكاة، وليس بواجب.
ومثله الحج هل نقول: يجب على الإنسان أن يجمع المال ليحج؟ أو نقول: إذا كان عنده مال فليحج؟
الجواب: إذا كان عنده مال فليحج، وأما الأول فلا يجب " انتهى من "الشرح الممتع" (6/96).
والله أعلم.
تعليق