الحمد لله.
يلزم من استنصحه أخاه أن ينصح له؛ لما روى مسلم (2162) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ .
وروى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ ؟ قال : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (14/ 143):
"أما قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا استنصحك) : فمعناه طلب منك النصيحة ، فعليك أن تنصحه ، ولا تداهنه ولا تغشه ، ولا تمسك عن بيان النصيحة . والله أعلم" انتهى.
والنصيحة واجبة، لكن اختلف في وجوبها ؛ هل هو على الكفاية أو على التعيين؟
قال ابن بطال في "شرح البخاري" (1/ 129): "والنصيحة فرض ، يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين، والنصيحة لازمة على قدر الطاقة ، إذا علم الناصح أنه يُقبل نصحُه ويُطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه.
وأما إن خشى الأذى : فهو في سعة منها" انتهى.
ونقله النووي في "شرح مسلم" (2/ 39).
وقال ابن علان في "دليل الفالحين" (3/ 29):
"(وإذا استنصحك) أي طلب منك النصح ، وهو تحري ما به الصلاح من قول أو فعل .
(فانصح له) ؛ وجوباً عليك ، بأن تذكر له ما به صلاحه.
وطلبه ليس شرطاً لوجوب بذله ، أو ندبه؛ لأنه يجب تارة، ويندب أخرى، لمن طلب ومن لم يطلب، فذكره إنما هو لإفادةِ أن تأكده بعد الطلب أكثر" انتهى.
وقال ابن مفلح:
"وظاهر كلام أحمد والأصحاب: وجوب النصح للمسلم، وإن لم يسأله ذلك؛ كما هو ظاهر الأخبار.
ولمسلم عن معقل بن يسار مرفوعا: ما من أمير يلي أمر المسلمين؛ ثم لا يجتهد لهم ، وينصح: إلا لم يدخل الجنة معهم .
فقد يقال: ظاهره أن وجوب النصح [لا] يتوقف على السؤال.
وقد يقال: لا؛ بل خص الأمير هذا، لأنه أخص.
لكن روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا حق المسلم على المسلم ست وفيه : فإذا استنصحك فانصح له ؛ وهذا أولى.
ولأنه ليس بإقرار على محرم ، ولا يلزمه قبول قوله ؛ بخلاف إنكار المنكر.
وقد روى الحاكم في تاريخه عن ابن المبارك أنه قيل له: التاجر يدخل عليه رجل مفلس وأنا أعرفه، ولا يعرفه أسكت أم أخبره؟ قال: لو أن خنّاقا صحبك، وأنت لا تعرفه وأنا أعرفه أأسكت حتى يقتلك؟
وعن أنس مرفوعا لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفق عليه.
وإن ظن أن لا يقبل نصحه ، أو خاف أذى منه : فيتوجه أن يقال فيه ما سبق في الأمر بالمعروف" انتهى من "الآداب الشرعية" (1/ 291).
وفي "الموسوعة الفقهية" (40/ 325):
" ذهب الفقهاء إلى أن النصيحة تجب للمسلمين، قال ابن حجر الهيتمي: يتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم.
وقال الراغب الأصفهاني: عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر النصح فقال: الدين النصيحة، فبين عليه الصلاة والسلام أن النصح واجب لكافة الناس؛ بأن تتحرى مصلحتهم في جميع أمورهم.
وقال المالكية: النصيحة فرض عين، سواء طلبت أو لم تطلب؛ إذا ظن الإفادة؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف.
ونقل النووي عن ابن بطال: أن النصيحة فرض كفاية، يجزى فيه من قام به، ويسقط عن الباقين.
وهي لازمة على قدر الحاجة ، أو الطاقة ، إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ، ويطاع أمره ، وأمن على نفسه المكروه. فإن خشي على نفسه أذى : فهو في سعة.
وقال غيرهم: إن ظاهر حديث: الدين النصيحة وجوب النصح؛ وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح" انتهى.
وعليه ؛ فيلزمك أن تنصح له ، وتبين ما تعلم من العيب والخلل ؛ لا سيما إذا طُلبت منك النصيحة، ولا يسعك الكتمان، إلا أن تخشى ضررا وأذى من النصح.
والله أعلم.
تعليق