الحمد لله.
أولا:
حكم أخذ المضارب نفقته من الشركة
قد ذكرت أنك دخلت مع خالك التجارة بالنصف، وهذا يحتمل أمرين:
1-أن تكون شريكا بعملك فقط، فهذه مضاربة.
والفقهاء مختلفون في أخذ المضارب نفقة، فأوجبها الحنفية إذا سافر المضارب، ولو لم يشترطها في العقد. وأما إذا لم يسافر فنفقته على نفسه. وصرحوا بأن النفقة تشمل الكسوة والطعام والإدام والشراب وأجر الأجير، وفراش ينام عليه، وعلف دابته التي يركبها في سفره ويتصرف عليها في حوائجه، وغسل ثيابه، ودهن السراج والحطب ونحو ذلك.
وأجازها المالكية بشروط.
وقال الشافعية: لا ينفق العامل من مال المضاربة على نفسه حضرا ولا سفرا؛ لأن له نصيبا في الربح فلا يستحق شيئا آخر، ولأن النفقة قد تكون قدر الربح فيؤدي إلى انفراده به، وقد تكون أكثر فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال وهو ينافي مقتضاه، فلو شرط له النفقة في العقد فسد.
وأجازها الحنابلة إذا شرطت في العقد، وقال تقي الدين ابن تيمية: أو جرت بذلك عادة.
قال في "كشاف القناع" (3/ 516): " (وليس للمضارب نفقة) من مال المضاربة (ولو مع السفر) بمال المضاربة؛ لأنه دخل على أن يستحق من الربح شيئا فلا يستحق غيره؛ إذ لو استحقها لأفضى إلى اختصاصه به حيث لم يربح سوى النفقة (إلا بشرط، كوكيل) قال الشيخ تقي الدين: أو عادة (فإن شرطها) أي النفقة رب المال (له) أي المضارب (وقدّرها فحسن) قطعا للمنازعة (فإن لم يقدرها) أي النفقة (واختلفا) أي تشاحا في قدر النفقة (فله نفقة مثله عرفا من طعام وكسوة) كالزوجة؛ لأن إطلاق النفقة يقتضي جميع ما هو ضروراته المعتادة فكان له النفقة والكسوة." انتهى.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (38/ 70).
لكن الفقهاء يتكلمون على نفقة المضارب لنفسه، ولا يدخل في ذلك نفقة أولاده. واعلم أن المضارب بعمله لا يجوز أن يعطى راتبا، وإنما له نسبته من الربح.
وعلى ذلك، فلك أن تأخذ لنفسك نفقة شخصية، مشروطة محددة. وليس لك أن تأخذ شيئا من هذا المال شيئا لنفقة بيتك وعيالك.
2-أن تكون شريكا بمالك وعملك، فهذه شركة عِنان، أو جامعة بين المضاربة والعنان.
ويجوز فيها على الراجح أن تأخذ راتبا بعقد إجارة مستقل، كما لو استأجرتما شخصا يدير الشركة. ثم تأخذ نسبتك من الربح. وينظر: جواب سؤال: (حكم إعطاء الشريك راتبا مقابل إدارة الشركة).
ويلزم لصحة الإجارة: الاتفاق على قدر الراتب، محددا، واضحا، لا يصلح فيه مجاملات، ولا كلام عام.
ثانيا:
هل يجوز الاقتراض من مال الشركة؟
الاقتراض من مال الشركة: لا يصح إلا بإذن شريكك، قبل القرض لا بعده، فتخبره أنك ستأخذ كذا من المال، لأن القرض عقد بين طرفين، ولا بد فيه من معرفة القدر المقترض.
وقد يُتسامح في الشيء اليسير، الذي يتسامح الناس في مثله عادة، اعتمادا على الإذن العام.
لكن الذي ذكرته: ليس يسيرا، بل هو كثير، فاحش، متكرر أيضا؛ فالذي عليك ألا تقترض لنفسك شيئا من مال الشركة، إلا أن يأذن المالك قبل أن تقترض، ويعلم القدر الذي تريد اقتراضه.
وقد ذكرت في آخر سؤالك: أن الشكوك أرهقتك، وأتعبتك؛ فما حاجتك يا عبد الله إلى كل ذلك القلق، والريب، وضيق الصدر:
عن الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قال: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ ).
رواه الترمذي (2518) وصححه، وصححه الألباني.
قال الإمام النووي رحمه الله: "قوله: ( يَريبُكَ ): هُوَ بفتح الياء وضمها، ومعناه: اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ، وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ." انتهى من "رياض الصالحين" (62).
وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؛ فَقَالَ: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاس.) رواه مسلم (2553).
والله أعلم.
تعليق