الحمد لله.
هل صح قول ابن عمر (فإذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة)؟
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " إِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ" رواه الإمام أحمد في "المسند" (9 / 404)، وأبو داود (510)، وقوّى إسناده محققو المسند، وحسّنه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود"، وقال رحمه الله تعالى:
"إسناده حسن، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.
وقال النووي: "إسناده صحيح". وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". وقال المنذري: حسن. وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه"؛ دون قوله: غير أنه... إلخ. وقال ابن الجوزي: إسناده صحيح " انتهى من "صحيح سنن أبي داود" (2 / 437).
توجيه قول ابن عمر (فإذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة)
وقول ابن عمر رضي الله عنهما: "فَإِذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ" له احتمالات:
فيحتمل أن هذا كان يحصل من بعض الصحابة أحيانا، لعذر ونحوه يدفعهم إلى التأخر في القدوم إلى الصلاة، لكن بسماعهم للإقامة يعلمون بداية الصلاة فيأتونها، ثم مادام يدرك الصلاة مع الإمام فهو جائز، وإن كان الأولى التبكير إلى الصلاة.
قال ابن رسلان رحمه الله تعالى:
"(ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) يعني: في بعض الأوقات، أو بعض الصحابة؛ إذ لا يظن أن الصحابة رضي الله عنهم بأسرهم كانوا لا يتوضؤون إلا بعد إقامة الصلاة.
وإنما ذكر ابن عمر رضي الله عنهما ليعرف السامع أنّ هذا جائز، لا أنه كان صفة جميعهم." انتهى من "شرح سنن أبي داود" (3 / 442).
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركعة الأولى من الصلاة، فمن توضأ بعد سماعه الإقامة، وذهب إلى المسجد فسيدرك الرسول صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى غالبا، فلن يفوته من الصلاة إلا شيء يسير، وإن كان الأكمل أن يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام.
قال السندي، رحمه الله، في حاشيته على سنن النسائي: "قوله: (فَإِذَا سَمِعْنَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) لعل مراده أن بعضهم كان أحياناً يؤخرون الخروج إلى الإقامة اعتماداً على تطويل قراءته صلى الله عليه وسلم." انتهى.
كما يحتمل أن هذا حصل من ابن عمر قبل بلوغه، فالأذان والإقامة شرعا بعد الهجرة في بداية الفترة المدنية، وابن عمر يومئذ فتى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"وقد ثبت عنه أنه كان له يوم بدر ثلاث عشرة، وبدر كانت في السنة الثانية.
وأسلم مع أبيه، وهاجر، وعرض على النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ببدر فاستصغره، ثم بأحد كذلك، ثم بالخندق فأجازه، وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة، كما ثبت في الصحيح." انتهى من "الإصابة" (6 / 291).
فلعله كان أحيانا في بيت أخته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وهي بجانب المسجد، فيخرج مع من كان في عمره من الفتيان إلى الوضوء والصلاة عند سماع الإقامة.
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي، رحمه الله:
" وقوله: (إذا سمعنا قد قامت الصلاة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة) هذا والله أعلم محمول على أنهم يفعلون ذلك في بعض الأحيان وفي أوقات شغلهم، ومنازلهم كانت في الغالب قريبة من المسجد، وإلا فأكثرهم يدخل المسجد قبل ذلك، وأيضًا: من كان ينتاب الصلاة من بعيد لا يتأتى له ذلك. والله أعلم." انتهى من "شرح سنن النسائي" (4/1370).
فالحاصل؛ أن لهذا الخبر احتمالات، فلا يعارض به ما ثبت من فضل المسارعة والتبكير إلى صلاة الجماعة.
وغاية ما في هذا الخبر أن هذا الفعل جائز، ما دام يدرك الصلاة مع الإمام، لا أن هذا هو الأفضل.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (128726) ورقم (126388)
والله أعلم.
تعليق