الحمد لله.
لفظ "الأب" عند النصارى هو مصطلح يدل على مرتبة دينية في دينهم، ويطلقونه على من وصلها احتراما وتبجيلا، وأنه أب لهم في الديانة، كما أن لهم أبا في الولادة.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ناقلا عن بعض كتب النصارى:
"... لم يكن في عمل مصر أسقف، ولم يكن البطاركة قبله أصلحوا أسقفا، وأن العامة لما سمعت الأساقفة يسمون البطريرك أبا، قالوا: إذا كنا نحن نسمي الأسقف أبا، والأسقف يسمي البطريك أبا، فيجب علينا أن نسمي البطريرك بابا؛ أي الجد، إذ كان أبا لأبينا، فسمي بطريرك الإسكندرية من وقت "هرقل" بابا، أي الجد." انتهى من "الجواب الصحيح" (4 / 188).
وبناء على هذا فإن إطلاق المسلم على القسيس لقب "الأب":
إما أن يكون من باب الاحترام والتوقير لهذا القسيس، كصنيع النصارى أنفسهم، فلا شك أن هذا منهي عنه؛ لأنه تشبه بهم وهذا لا يجوز.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5 / 109).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وهذا إسناد جيد... وهذا الحديث أقل أحواله: أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)...
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها كان حكمه كذلك.
وبكل حال: يقتضي تحريم التشبه؛ بعلة كونه تشبها..." انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 240 – 242).
ومن أعظم قرائن التعظيم والتوقير لرمز الكفر: أن يسبقه بلقب " القداسة"، ونحو ذلك مما يقولونه، ويقال لهم؛ وهذا إفك مبين.
وأما إن كان هذا الإطلاق من باب التعريف به، والإخبار عنه، لكونه لقبا ملازما له ومعروفا به، لا بقصد التشبه، أو الاحترام والتوقير، فالتعريف الأمر فيه واسع، ولذا جاز إطلاق ما أصله غيبة محرمة إذا كان يتحقق به التعريف.
قال النووي رحمه الله تعالى:
"اعلم أن الغيبة وإن كانت محرمة فإنها تباح في أحوال للمصلحة.
والمجوز لها غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب....
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب: كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، والأفطس، وغيرهم، جاز تعريفه بذلك بنية التعريف، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تباح بها الغيبة على ما ذكرناه " انتهى من"الأذكار" (292 - 293).
والله أعلم.
تعليق