الحمد لله.
أولا:
الميزان حق ثابت في الكتاب والسنة، توزن به الأعمال والصحائف، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون.
روى ابن المبارك "في الزهد والرقائق" (2/123) - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة، أو يرجح.
قال ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف" .
قال السفاريني في "لوامع الأنوار" (1/ 379): " قال الحافظ ابن رجب: وأما في الآخرة فيوازن بين الحسنات والسيئات ، ويقص بعضها من بعض، فمن رجحت حسناته على سيئاته ، فقد نجا ودخل الجنة، قال: سواء في هذا الصغائر والكبائر.
وهكذا من كان له حسنات، وعليه مظالم، فاستوفى المظلومون حقوقهم من حسناته ، وبقي له حسنة : دخل بها الجنة" انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (5/ 496): " وَقَوْلُهُ: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَيْ: مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ ، وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ" انتهى.
وينظر: "الفصل في الملل والنحل" لابن حزم (4/38) وما بعدها .
ثانيا:
ما جاء في القناطر قبل الصراط، لم يرد في حديث صحيح، وإنما قاله بعض أهل العلم.
قال القرطبي في "التذكرة"، ص751: " روي عن بعض أهل العلم أنه قال: لن يجوز أحد الصراط حتى يسأل في سبع قناطر، أما القنطرة الأولى: فيسأل عن الإيمان بالله، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجاز بها مخلصاً، والإخلاص قول وعمل جاز، ثم يسأل على القنطرة الثانية عن الصلاة، فإن جاؤوا بها تامة جاز، ثم يسأل على القنطرة الثالثة عن صوم شهر رمضان، فإن جاء به تاماً جاز، ثم يسأل على القنطرة الرابعة عن الزكاة، فإن جاء بها تامة جاز، ثم يسأل في الخامسة عن الحج والعمرة، فإن جاء بهما تامتين جاز، ثم يسأل في القنطرة السادسة عن الغسل والوضوء، فإن جاء بهما تأمين جاز، ثم يسأل في السابعة، وليس في القناطر أصعب منها، فيسأل عن ظلامات الناس" انتهى.
وقال ابن كثير في تفسيره (8/ 397): " قَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَيْفَعَ بْنِ عَبْدٍ الْكُلَاعِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَهُ وَهُوَ يَعِظُ النَّاسَ يَقُولُ: إِنَّ لِجَهَنَّمَ سَبْعَ قَنَاطِرَ -قَالَ: وَالصِّرَاطُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: فَيَحْبِسُ الْخَلَائِقَ عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ [الصَّافَّاتِ:24] ، قَالَ: فَيُحَاسَبُونَ عَلَى الصَّلَاةِ ويُسألون عَنْهَا، قَالَ: فَيَهْلِكُ فِيهَا مَنْ هَلَكَ، وَيَنْجُو مَنْ نَجَا، فَإِذَا بَلَغُوا الْقَنْطَرَةَ الثَّانِيَةَ حُوسبوا عَلَى الْأَمَانَةِ كَيْفَ أَدَّوْهَا، وَكَيْفَ خَانُوهَا؟ قَالَ: فَيَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ وَيَنْجُو مَنْ نَجَا. فَإِذَا بَلَغُوا الْقَنْطَرَةَ الثَّالِثَةَ سُئلوا عَنِ الرَّحِمِ كَيْفَ وَصَلُوها وَكَيْفَ قَطَعُوهَا؟ قَالَ: فَيَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ وَيَنْجُو مَنْ نَجَا. قَالَ: وَالرَّحِمُ يَوْمَئِذٍ مُتَدَلِّيَةٌ إِلَى الهُويّ فِي جَهَنَّمَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ مَنْ وَصَلَنِي فَصِلْه، وَمَنْ قَطَعَنِي فَاقْطَعْهُ. قَالَ: وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ .
هَكَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْأَثَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَمَامَهُ" انتهى.
ونقل ابن رجب كلام أيفع الكلاعي ثم قال: " وقد ذكرنا فيما تقدم غير حديث، في حبس الولاة على جسر جهنم، وتزلزل الجسر بهم.
وخرج أبو داود، من حديث معاذ بن أنس الجهني، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قال: (من رمى مسلماً بشيء يريد به شَيْنَهُ، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) .
وقد روي بلفظ آخر وهو (من قال في مؤمن مالا يعلم، حبسه الله على جسر جهنم، حتى يخرج مما قال) " انتهى من "التخويف من النار"، ص241.
وثبت قيام الأمانة والرحم على جنبتي الصراط.
روى مسلم (195) من حديث حذيفة مرفوعا: ...وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ.
قال النووي في "شرح مسلم" (3/ 72): " وأما إرسال الأمانة والرحم فهو لعظم أمرهما، وكبر موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى. قال صاحب التحرير: في الكلام اختصار، والسامع فهم أنهما تقومان لتطالبا كل من يريد الجواز بحقهما" انتهى.
فنسأل الله السلامة والعافية.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (145741).
والواجب على كل أحد الجد والتشمير في فعل الفرائض وترك المحرمات، فهذا سبب النجاة بعد رحمة الله تعالى.
والله أعلم.
تعليق