الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة :"فاختص على ذلك أو ذر "؟

363008

تاريخ النشر : 06-03-2022

المشاهدات : 14073

السؤال

آمل توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة :(فاختص على ذلك أو ذر).

ملخص الجواب

جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة بالنهي عن الاختصاء، وهو محرم في بني آدم بالإجماع .والحديث الذي أورده السائل وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ). ليس فيه إذن بالاختصاء ، وإنما على سبيل التهديد والوعيد . وينظر للأهمية تفصيل ذلك في الجواب المطول  

الجواب

الحمد لله.

قد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة بالنهي عن الاختصاء، وهو محرم في بني آدم بالإجماع .

روى البخاري في "صحيحه" (5071)، ومسلم في "صحيحه" (1404)، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:" كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَسْتَخْصِي؟  فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ".

قال أبو العباس القرطبي في "المفهم" (12/127) :" وقوله : (ألا نستخصي) ؛ أي : نستدعي من يفعل الخصاء ، أو نحاول ذلك بأنفسنا ، وقد تقدَّم تفسير الخصاء .

وقوله : (فنهانا عن ذلك) ؛ هذا النهي على التحريم ، ولا خلاف في تحريم ذلك في بني آدم ؛ لما فيه من الضرر وقطع النّسْل ، وإبطال معنى الرجولية ". اهـ

وأما الحديث الذي أورده السائل فقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (5076) معلقا ، فقال : وقال أصبغ : أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ:" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي العَنَتَ، وَلاَ أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي ، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي ، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ .

وأصبغ بن الفرج من شيوخ البخاري، وقد علقه عنه بصيغة الجزم .

وقد وصله من طريق أصبغ الفريابيُ في "القدر" (537) ، فقال حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ ، أَخْبَرَنِي أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ به .

وأخرجه النسائي في "سننه" (3215)، من طريق الأوزاعي، عن الزهري به. وقال " وهذا حديث صحيح " .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ  ، فإنه جاء على سبيل التهديد، وليس على سبيل التخيير والإذن في فعل الخصاء ، فإنه محرم كما قدمنا .

وعلى هذا اتفق شراح الحديث.

قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/299) :" ولذلك قال لأبى هريرة حين أراد أن يختصي خشية الزنا على نفسه: ( قد جف القلم بما أنت لاق ؛ فاختصِ على ذلك أو ذر ) ، فعرفه أنه لا يعدو ما جرى به القلم عليه من خير أو شر ، فإنه لا بد عامله ومكتسبه ، فنهاه عن الاختصاء بهذا القول الذى ظاهره التخيير ، ومعناه: النهى والتبكيت لمن أراد الهروب عن القدر، والتعريف له: أنه إن فعل ، فإنه أيضًا من القدر المقدور عليه فيما جف به القلم عليه )انتهى.

وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل" (3/521):" وَإِنَّمَا ذكر الْقدر ليمنعه من ذَلِك الْفِعْل . وَالْمعْنَى: مَا تقدر أَن تخرج على الْمَقْدُور.

وَقَوله: ( فاختصِ ) لَيْسَ بِأَمْر ، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: إِن فعلت، أَو لم تفعل: فلابد من نُفُوذ الْقدر ". انتهى.

وقال ابن هبيرة في "الإفصاح" (7/291) :" هذا نطق يفصح بالوعيد والتهديد ؛ ليكون ذلك زجرًا له ولغيره من بعده ، وليس إذنًا في الاختصاء"انتهى.

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (9/119) :" لَيْسَ الْأَمْرُ فِيهِ لِطَلَبِ الْفِعْلِ، بَلْ هُوَ لِلتَّهْدِيدِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر ) ، وَالْمَعْنَى: إِنْ فَعَلْتَ أَوْ لَمْ تَفْعَلْ، فَلَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْقَدَرِ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِحُكْمِ الْخِصَاءِ .

وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ: أَنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ ، فَالْخِصَاءُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ ، فَإِن الَّذِي قُدِّرَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ .

وَقَولُهُ : ( عَلَى ذَلِكَ ) : هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ ، أَيِ اختصِ حَالَ اسْتِعْلَائِكَ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ، وَلَيْسَ إِذْنًا فِي الْخِصَاءِ ، بَلْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاخْتِصَاءِ " انتهى.

وقال السندي في "حاشيته على سنن النسائي" (6/59) :" قوله : ( فاختصِ على ذلك أو دع ): ليس من باب التخيير بل التوبيخ ، كقوله تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ، أي : إن شئت قطعت عضوك بلا فائدة ، وان شئت تركته "انتهى.

وقال المظهري في "المفاتيح شرح المصابيح" (1/190) :" ( فاختص ): ليس ذلك إذنًا منه - عليه السلام - لأبي هريرة في الاختصاء ؛ بل قال ذلك على وجه اللوم والتوبيخ على قطع عضو عن نفسه من غير فائدة ، وهذا كقوله تعالى: " اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " ؛ يُسمَّى هذا الأمرُ: تهديدًا ووعيدًا "انتهى.

فتبين مما سبق أن الحديث ليس فيه إذن بالاختصاء ، وإنما على سبيل التهديد والوعيد .

وللاستزادة عن حكم الاختصاء ، والتبتل وترك النكاح يمكن مراجعة الأجوبة (126987)، (225012)، (87998) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب