الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل الغيب كله مخلوق؟

365220

تاريخ النشر : 04-09-2024

المشاهدات : 763

السؤال

يوجد رجل في الإنترنت نشر فيديو، قائلا: بأن الغيب مخلوق لله تعالى، فهل قوله حق أم باطل؟

الجواب

الحمد لله.

الغيب كل ما غاب عنك ولم تره، وقد مدح الله المؤمنين بالغيب فقال: الذين يؤمنون بالغيب   

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (1/163):

“الثانية: قوله تعالى: (بالغيب): الغيب في كلام العرب كل ما غاب عنك، وهو من ذوات الياء، يقال منه: غابت الشمس تغيب، والغيبة معروفة. وأَغابت المرأة فهي مُغِيبَة؛ إذا غاب عنها زوجها، ووقعنا في غيبة وغيابة، أي هبطة من الأرض، والغيابة: الأجمة، وهي جماع الشجر يغاب فيها، ويسمى المطمئن من الأرض: الغيب، لأنه غاب عن البصر.

الثالثة: واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا، فقالت فرقة: الغيب في هذه الآية: الله سبحانه. وضعفه ابن العربي.

وقال آخرون: القضاء والقدر.

وقال آخرون: القرآن وما فيه من الغيوب.

وقال آخرون: الغيب كل ما أخبر به الرسول عليه السلام، مما لا تهتدي إليه العقول؛ من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار.

قال ابن عطية: وهذه الأقوال لا تتعارض، بل يقع الغيب على جميعها.

قلت: وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام، حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن الإيمان. قال: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت”. وذكر الحديث. وقال عبد الله بن مسعود: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: (الذين يؤمنون بالغيب) [البقرة: 3].

قلت: وفي التنزيل: (وما كنا غائبين) وقال: (الذين يخشون ربهم بالغيب). فهو سبحانه غائب عن الأبصار، غير مرئي في هذه الدار، غير غائب بالنظر والاستدلال، فهم يؤمنون أن لهم ربا قادرا يجازي على الأعمال، فهم يخشونه في سرائرهم وخلواتهم التي يغيبون فيها عن الناس، لعلمهم باطلاعه عليهم، وعلى هذا تتفق الآي ولا تتعارض، والحمد لله” انتهى.

وعلى هذا:

فالغيب منه ما هو مخلوق، كالملائكة والجنة والنار، وما في القبر، وما في اليوم الآخر كالحوض والميزان والصراط.

ومنه ما هو غير مخلوق، وهو الله تعالى، فإننا نؤمن به ولم نره، فهو من الغيب على هذا التفسير.

وهكذا: أسماء الله جل جلاله الحسنى، وصفاته العليا، وكلامه، من القرآن وغيره: فكل هذا غير مخلوق.

وقد روى الطبري في تفسيره (1/ 242) عن الربيع بن أنس، قال: ” {الذين يؤمنون بالغيب} آمنوا بالله، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقائه، وآمنوا بالحياة بعد الموت، فهذا كله غيب” انتهى.

ولعل هذا القائل بأن الغيب كله مخلوق تبع من يقول: بأنه لا يقال عن الله إنه غيب، كما ذهب إلى ذلك القاضي ابن العربي المالكي، وحجته: “أنه يدرك بصحيح النظر، فلا يكون غيبا حقيقة” انتهى من “أحكام القرآن” لابن العربي (1/ 16).

وما تقدم في كلام القرطبي أظهر، فإن الله تبارك وتعالى غائب عن الأبصار غير مرئي في هذه الدار، فهو غيب بهذا الاعتبار.

وبكل حال، فلا يحتاج إلى تكلف مثل ذلك؛ بل يقال ما قال الله جل جلاله: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌالأنعام/102.

ويقال أيضا، ما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام/73 .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب