الحمد لله.
أولاً :
اعلم أيها الأخ الكريم ، سترنا الله وإياكما أن الله يراكما ويطلع عليكما : ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) غافر/19 ، واعلم أيضاً أنكما فعلتما ما لا يحل لكما شرعاً ، وهو المراسلة والحديث بينكما ، وقد رأيتَ كيف تطورت العلاقات بينكما إلى أن أزلكما الشيطان وزيَّن لكما علاقتكما أنها " حب في الله "
ثانياً :
نعلم أن الحب أمر قلبي ، وأن الإنسان لا يلام على ما لا يملكه ، لكنه يلام كل اللوم على الأسباب التي أدت به إلى الوقوع في هذه العلاقة : من نظرة محرمة ، أو كلمة في السر خائنة ، عبر الهاتف أو الإنترنت ، أو غير ذلك من خطوات الشيطان التي يريد من العباد أن يتبعوها ، ليقع بهم في الفحشاء والمنكر ، كما قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21 ، ثم يلام أيضاً على الاسترسال في هذه الخطوات والتمادي في أمر أوله محرم ونهايته نكاح باطل .
أما وقد بلغتما هذا المبلغ ، وانتهت العلاقة بينكما إلى ما ذكرت ، فالأمر الآن عند الفتاة وأهلها ، فإذا استطاعت المرأة إقناع والدها بعدم تزويجها ممن تكره ، واستطاعت هي وأمها إقناعه بالزواج منك ، وكانت – كما ذكرت - أهلاً للزواج ، فلتسلك الطريق الشرعية بطلبها من والدها ، أو من يوكله للتزوج منها ، فإن رأيتما الطريق مغلقة عليكما فلا يحل لكما الاستمرار في هذه العلاقة ، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ، فقد يكون الخير لها الزواج من غيرك ، وقد يكون الخير لك الزواج من غيرها ، ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) البقرة/216
ولو قدّر أن هذه الفتاة صادقة فيما اتهمت به أباها من الجنون ، ولا نظنها كذلك (؟!) ونعني به الجنون الذي يسقط به حقه في الولاية الشرعية عليها ولا يجعله أهلاً لتولي شؤون موليته ، أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء ، وليس له عذر شرعي : انتقلت الولاية إلى الوليِّ الذي يليه ، فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً ، وتفاصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (7193)
وأما التفكير في إتمام النكاح سراً ، بغير إذن وليها ، فتلك مصيبات بعضها فوق بعض ، عصمنا الله وإياكم من أسباب غضبه وعذابه .
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ) رواه أبو داود (2083) وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، فكيف تفكران في هذا الباطل الذي لا يرضاه الله ورسوله ، ثم تزعمان أن حبكما في الله ؟
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بإعلان النكاح ، فقال : " ( أعلنوا النكاح ) رواه أحمد من حديث عبد الله بن الزبير وقال الألباني حسن .
وجعل هذا الإعلان علامة تميز النكاح الحلال من السِّفاح الحرام فقال : فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ ) رواه الترمذي (1088) وحسنه الألباني في صحيح أبي الترمذي .
قال الإمام الباجي رحمه الله في شرح الموطا : " لا خلاف أن الاستسرار بالنكاح ممنوع ، لمشابهة الزنا الذي يُتواطأ عليه سراً . .. , ولذلك شُرِع فيه ضرب من اللهو والوليمة ، لما في ذلك من الإعلان فيه "
وقال أيضاً : " وكل نكاح استكتمه شهوده ، فهو من نكاح السر ، وإن كثر الشهود "
فانظر يا عبد الله على أي شيء تعزمان ، أعلى النكاح الحلال ، كما شرع الله ورسوله ، أم هو الهوى والسفاح ، وخطوات الشيطان ؟؟
واحذرا قبل أن تزل بكما الأقدام ، وتبنيا حياتكما على شفا جرف هار ، أعاذنا الله وإياكما من نار جهنم .
وأما أن أبا الفتاة يريد أن يزوجها رغماً عنها ، فمع أنه لا يحق للأب ، ولا لغيره من الأولياء من باب أولى ، أن يجبر ابنته على الزواج ممن تكرهه ، كما بينا ذلك في السؤال رقم (26852) ، (7193) ، (22760) ، إلا أن هذا الأمر ليس لك منه شيء ، ولست مسؤولاً عنه ، فدعها وأولياءها فيه ، ولعلها إن لم يقدر بينكما زواج ؛ وانسحبت أنت من حياتها ، كما هو الواجب عليك حينئذ لعلها أن ترى في هذا الخاطب أو غيره من يصلح لها ، والله يغنينا وإياكما من فضله .
والله الموفق .
تعليق