الحمد لله.
أولا:
لم يرد من أدلة الشرع ما ينص على استحباب تخصيص الاثنين والخميس بالصدقة؛ إلا أن بعض أهل العلم استحب ذلك قياسا على الحث على صيامهما.
قال الصنعاني رحمه الله تعالى:
" ( كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، فقيل له، فقال: الأعمال تعرض كل اثنين وخميس، فَيُغْفَر لكل مسلم إلا المتهاجرين فيقول: أَخِّروهما )...
وفيه ندب صوم هذين اليومين.
وكالصوم: الإكثار من الأعمال الصالحة فيهما؛ لأن العلة عرض الأعمال وهو يقتضي الإكثار من صالح الأعمال فيهما، ويجتنب المهاجرة لعظم الإثم فيها " انتهى من"التنوير" (8 / 463).
ثانيا:
المسلم عليه أن يعمل بالأحسن، ولا يقتصر على العمل الحسن، فيؤدي العمل على أحسن وجه يعلمه.
ولا شك أن المبادرة للصدقة كلما أمكن هو الأحسن. خاصة إذا دعت إليها حاجة عاجلة؛ فإن تقديمها لسد حاجة المحتاج أفضل بلا ريب، إن لم يكن متعينا.
فهو أفضل للمتصدق عليه: فقد يكون شديد الحاجة فلا تؤخر حاجته، وهذا كمال في الإحسان.
وهو أفضل للمتصدق: لأن التأخير قد يؤدي إلى تعطل الصدقة بذهاب المال، أو موت الإنسان، أو انفساخ العزم، وغلبة الشح؛ ونحو هذا من العوائق.
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ رواه البخاري (6444).
قال ابن بطال رحمه الله تعالى:
" وفيه: أن المبادرة إلى الطاعة أفضل من التوانى فيها، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحب أن يبقى عنده من مقدار جبل أحد ذهبا، لو كان له، بعد ثلاث إلا دينار يرصده لدين" انتهى من"شرح صحيح البخاري" (10 / 164).
ثم إذا صام الإنسان، فإن تيسرت له الصدقة في يوم صومه، تصدق؛ والجمع بين الأعمال الصالحة أمر محمود وفضله عظيم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم (1028).
والحاصل:
أنه متى انبعثت الهمة على الصدقة، ووجد الإنسان ما يتصدق به؛ فالأفضل له المبادرة بها، تعجيلا لسد حاجة المحتاج، ومبادرة للعوارض، والقواطع.
والله أعلم.
تعليق