الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

أب يوزع راتبه بالتساوي بين زوجتيه وأولاده الصغار والكبار والذكور والإناث فهل يكون ظالما؟

374733

تاريخ النشر : 31-05-2022

المشاهدات : 1991

السؤال

والدى حي يرزق الحمد لله تعالى، وله زوجتان، وثلاث أولاد، وثلاث بنات، يقوم بتوزيع مرتبه بالتساوى على الصغير والكبير من أولاده وزوجتيه، فهل يتساوى الطفل ذو 5 سنوات بالطالب الجامعي؟ كنت أريد معرفة هل يقع والدي في ظلم أبنائه الكبار بسبب التسوية بين الجميع فيما يعطيه من راتبه، أم له الحرية في توزيع ماله كما يرى؟

الحمد لله.

أولا:

يجب العدل في العطية بين الأولاد

الواجب العدل بين الأولاد في العطية والهبة؛  لما البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ: " سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".

وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).

النفقه على الأولاد مختلفة عن حكم العطية 

وأما النفقة، فإنها تعطى لكل واحد منهم بحسب كفايته، فنفقة الكبير ليست كنفقة الصغير، ونفقة من يدرس في الجامعة، ليست كنفقة من يدرس في المرحلة الابتدائية، ومن بلغ سن الزواج واحتاج إليه، ليس كمن لم يبلغه، أو بلغه ولم يحتج إليه.

قال في "كشاف القناع" (3/309): "(ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره) كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم)... و (لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه) لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر... (إلا في نفقة وكسوة فتجب الكفاية) دون التعديل" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله منبها على الفرق بين العطية والنفقة:

"وأفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: في عطية أنه بالنسبة للنفقة لا يكون التعديل بينهم بقدر إرثهم، بل بقدر حاجتهم، فيجب التعديل في الإنفاق على ولده بقدر الحاجة، فإذا قدر أن الأنثى فقيرة، والذكر غني، فهنا ينفق على الأنثى ولا يعطي ما يقابل ذلك للذكر؛ لأن الإنفاق لدفع حاجة، فالتعديل بين الأولاد في النفقة أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج، فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس ويحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر وأقلام وحبر وما أشبه ذلك، والآخر لا يقرأ، وهو أكبر منه لكنه لا يحتاج، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله؟

الجواب: لا يجب؛ لأن التعديل في الإنفاق يعني أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه.

مثاله: لو احتاج الولد الذكر إلى غترة وطاقية قيمتهما مائة ريال، واحتاجت الأنثى إلى قروط في الآذان قيمتها ألف ريال، فما هو العدل؟

الجواب: العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمائة ريال، ويشتري للأنثى القروط بألف ريال أضعاف الذكر عشر مرات، هذا هو التعديل.

مثال آخر: إذا احتاج أحدهم إلى تزويجه والآخر لا يحتاج، فما العدل؟

الجواب: أن يعطى من يحتاج إلى التزويج ولا يعطى الآخر، ولهذا يعتبر من الغلط أن بعض الناس يزوج أولاده الذين بلغوا سن الزواج ويكون له أولاد صغار فيكتب في وصيته: إني أوصيت لأولادي الذين لم يتزوجوا أن يُزَوًّج كل واحد منهم من الثلث، فهذا لا يجوز؛ لأن التزويج من باب دفع الحاجات، وهؤلاء لم يبلغوا سن التزويج، فالوصية لهم حرام، ولا تنفذ أيضا، حتى الورثة لا يجوز لهم أن ينفذوها، إلا البالغ الرشيد منهم إذا سمح بذلك، فلا بأس بالنسبة لحقه في التركة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/599).

وعليه: فإن ما يفعله هذا الأب خطأ ظاهر فيما يعطيه لأولاده بالتساوي، لأن النفقة تكون على قدر الكفاية، ونفقة الصغير ليست كنفقة الكبير، فما يأخذه الصغير زيادة عن كفايته يعتبر هبة، ويجب فيها العدل، وهذا غير حاصل.

فلو كان يعطي كل ولد 500 جنيه مثلا، ونفقة الصغير 100، ونفقة الكبير 300، فقد وهب الصغير 400 بينما وهب الكبير 200، وهذا جور في الهبة.

وكيفية العدل بين الذكر والأنثى في الهبة مختَلَف فيها، على قولين: أن تعطى مثل الذكر، وهذا قول الجمهور.

2-أن تأخذ نصف ما يعطى للذكر، وهو مذهب الحنابلة.

وأما الهبة للزوجات: فله أن يهب لهما ما شاء، ويسوي بينهما.

والحاصل:

أنه ينبغي نصح هذا الأب، ببيان الفرق بين النفقة والهبة، وتحريم الجور في الهبة بين الأولاد.

فإذا أنفق على أولاده جميعا، وأعطاهم من النفقة كفايتهم، كل بحسب حاله؛ ثم أراد أن يوزع عليهم ما تبقى من راتبه، أو ما عنده من مال، فله أن يفعل، شريطة العدل بينهم ، على ما مر بيانه.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (374766).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب