الحمد لله.
أولًا:
قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
ذكر أهل التفسير في هذه الآية، أن التفضيل تفضيل للرجال على النساء، وهذا هو الصواب لأمور:
1- أنه تفسير السلف ، وهو أصل عظيم من أصول التفسير، وأدلته.
2- أنه المناسب لسياق الآيات ، فإن "السياق يرشد إلى تبيين المجمل ، وتعيين المحتمل ، والقطع بعدم احتمال غير المراد ، وتخصيص العام ، وتقييد المطلق ، وتنوع الدلالة .
وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم ، فمن أهمله غلط في نظره ، وغالط في مناظرته"، انتهى من "بدائع الفوائد" لابن القيم(4/10).
قال ابن عباس: "يريد الله: بما فضل الله الرجال على النساء"، انظر: "التفسير البسيط" (6/ 486).
قال الإمام ابن كثير : " وَقَوْلُهُ: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أَيْ: فِي الْفَضِيلَةِ فِي الخُلُق، وَالْمَنْزِلَةِ، وَطَاعَةِ الْأَمْرِ، وَالْإِنْفَاقِ، وَالْقِيَامِ بِالْمَصَالِحٍ، وَالْفَضْلِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النِّسَاءِ:34] "، انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/610).
وانظر الأجوبة رقم: (43252)، (269847)، (308471)، (232359).
ثانيًا:
أمَّا الفضل في الآخرة فهو تفضيل جنس ما للرجال من الدرجات على ما للنساء ، فإن في الجنة درجات لأنبياء الله تبارك وتعالى ليست لغيرهم ، وهذا نوع من التفضيل في الآخرة .
وتفضيل جنس الرجال على جنس النساء يستتبع تفضيل هؤلاء على أولئك في الجنة أيضًا .
والواجب على المؤمن أن يعتقد كمال عدل الله وحكمته ، فالله لا يظلم عبده مثقال ذرة ، وهو الحكيم العليم الذي يضع الأشياء في مواضعها ، وهو الرحيم الكريم الذي يكرم عباده ويتفضل عليهم.
وقد وعد الله المؤمنين – رجالًا ونساء - بالجنة والنعيم والثواب الكريم ، في غير آية من كتابه.
وما من نعيم ثابت للمؤمن إلا وهو شامل للمرأة أيضاً، إلا ما خصه الدليل ، ككون الرجل له عدد من الحور العين ، والمرأة تكون قاصرة على زوجها ، ويكون نعيمها وهناؤها في هذا القصر .
وكون الرجل يفضلها بالحور العين، لا يمنع من أنها قد تفضله بأشياء أخرى كالدرجة الأعلى والأرفع، وما فيها من النعيم الذي يناسبها، إن كانت أعلى من الرجل في منازل العلم والإيمان.
والمرأة كالرجل في وعد الله لها بالدرجات العلى، وبارتفاع درجتها لحفظها القرآن الكريم، فتقرأ وترقى، ويكون منزلتها عند آخر آية كانت تقرؤها.
وقد تكون في درجة نازلة، فيرفعها الله إلى درجة زوجها، كما قال تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) الزخرف/70.
وقال في دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) غافر/8،
وقال تعالى: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) الرعد/22-23.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/ 451): "أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين والأبناء ، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين ، لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، امتنانًا من الله، وإحسانًا ، من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)" انتهى.
فالمرأة قد تفضل ما شاء الله من الرجال في الجنة، بحسب درجتها ومنزلتها، ولا نعلم دليلا على أنها تكون دون الرجل، هكذا على العموم.
وينظر الجواب: (270833).
والله أعلم.
تعليق