الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

ملازمة ذكر الله تعالى في كل حال ومكان

395110

تاريخ النشر : 03-12-2022

المشاهدات : 3648

السؤال

ما معنى المجلس في حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ) رواه الترمذي في "السنن" (3380)؟ وهل يعتبر أنه مجلس إذا مر رجل، وشرب الماء لدقيقة، وذهب؟ أو جاء وسلّم، وذهب؟ وما معنى المقعد والممشى في قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من قعد مقعدًا لم يذكرِ اللهَ فيه؛ كان عليه من اللهِ تِرَةٌ، ومن اضطجع مضجعًا لا يذكرِ اللهَ فيه؛ كانت عليه من اللهِ تِرَةٌ، وما مشى أحدٌ ممشًى لم يذكرِ اللهَ فيه؛ إلا كان عليه من اللهِ تِرَةٌ) أخرجه أبو داود (4856)، والنسائي في "السنن الكبرى" (10237)؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ رواه الترمذي (3380)، وقال:

" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: تِرَةً: يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً ".

وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" الترة: النقص. وقيل التبعة " انتهى من "النهاية" (1/189).

وهذا النقص بترك الذكر قد يكون نقصا محرما إذا هجر الذكر وقامت مقامه منهيات، وقد يكون نقصا ليس محرما، لكنه غفلة يتحسر عليها العبد يوم القيامة لضياع الوقت بلا ثواب.

قال ابن رسلان رحمه الله تعالى:

" - ترة- أي: نقصا.

... وهذا النقص إن كان في ذلك المقعد لم يتكلم بما ينقصه في دينه، فليس هو نقص في الدين؛ بل هو نقص من عمره أذهبه فيما لا ثواب فيه، وإن تكلم فيه بما ينقصه في دينه فهو نقص في دينه.

ويؤخذ من الحديث أن من جلس مجلسا وذكر اللّه تعالى كان ذلك الذكر كفارة لما وقع في ذلك المجلس " انتهى من "شرح سنن أبي داود" (18/567).

وقال المباركفوري رحمه الله تعالى:

" ( كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ) أي بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة. وقال الطيبي: دل على أن المراد بالترة التبعة، قال: وقوله: ( فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ) من باب التشديد والتغليظ، ويحتمل أن يصدر من أهل المجلس ما يوجب العقوبة من حصائد ألسنتهم، ( وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ ) أي كرما منه وفضلا ورحمة، وفيه إيماء بأنهم إذا ذكروا الله لم يعذبهم حتما بل يغفر لهم جزما " انتهى من "مرعاة المفاتيح" (7/408).

ثانيا:

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ رواه أبو داود (4856).

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى عن إسناده:

" حسن، وكذا قال النووي في "الرياض" (822)، ونحوه في "نتائج الأفكار" للحافظ " انتهى من "السلسلة الصحيحة" (1/159).

والمقصود بالمقعد والمضطجع والمجلس والممشى عموم الأماكن، وهو أن يجتهد العبد أن يذكر الله تعالى في كل مكان حلّ به.

قال القاري رحمه الله تعالى:

" المراد بذكر المكانين استيعاب الأمكنة، كذكر الزمانين بكرة وعشيا لاستيعاب الأزمنة، يعني: من فتر ساعة من الأزمنة، وفي مكان من الأمكنة، وفي حال من الأحوال من قيام وقعود ورقود، كان عليه حسرة وندامة، لأنه ضيع عظيم ثواب الذكر" انتهى من "مرقاة المفاتيح" (5/ 58).

فالذي يجلس لشرب ماء ثم يقوم، فهذا زمن إذا لم يحصل فيه عمل خير، يكون حسرة لعدم الانتفاع به في الآخرة، وتزول الحسرة عن مجلس شربه بأن يذكر الله عند شربه بالتسمية والحمد.

وللمسلم أن يذكر الله تعالى في المجلس بما يناسب الحال معنى ولفظا، ويدخل فيه تعليم العلم والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالخير والصبر.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" ويتحقق ذكر الله عز وجل في المجالس بصور عديدة، فمثلا إذا تحدث أحد الأشخاص في المجلس عن آية من آيات الله عز وجل فإن هذا من ذكر الله، مثل أن يقول: نحن في هذه الأيام في دفء كأننا في الربيع وهذا من آيات الله؛ لأننا في الشتاء وفي أشد ما يكون من أيام الشتاء بردا، ومع ذلك فكأننا في الصيف فهذا من آيات الله.

ويقول مثلا: لو اجتمع الخلق على أن يدفئوا الجو هذا الدفء في هذه الأيام التي جرت العادة أن تكون باردة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وما أشبه ذلك، أو مثلا يذكر حالا من أحوال النبي عليه الصلاة والسلام مثل أن يقول: كان النبي عليه الصلاة والسلام أخشى الناس لله وأتقاهم لله، فيذكر الرسول عليه الصلاة والسلام ثم يصلي عليه والحاضرون يكونون إذا استمعوا إليه مثله في الأجر. هكذا يكون ذكر الله عز وجل والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شاء ذكر الله من الأصل، إذا جلس قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لا إله إلا الله وما أشبه ذلك. الحاصل: أن الإنسان العاقل يستطيع أن يعرف كيف يذكر الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا المجلس.

ومن ذلك أيضا: أنه إذا انتهى المجلس وأراد أن يقوم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك... ينبغي للإنسان ألا يفوت عليه مجلسا ولا مضطجعا إلا يذكر الله حتى يكون ممن قال الله فيهم: ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 367-368).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب