الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

دعوى وجود تناقض في حديث: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً...) الحديث

395657

تاريخ النشر : 29-12-2022

المشاهدات : 6689

السؤال

هل يمكنك توضيح هذا التناقض في سنن أبي داود قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى عرض لآدم كلّ ذريته، وأبدى له أن البعض سيذهب إلى الجنة، بينما البعض سيذهب إلى النار، لذا كان آدم بالفعل في الجنة، بالتالي ألن يكون من الغريب إخباره أن البعض سيذهب إلى النار قبل أن يعلم آدم أنه ذاهب إلى الأرض؟

الجواب

الحمد لله.

ما رواه أبو داود (4703) عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ...).

اسناد هذا الحديث ضعيف للانقطاع وجهالة بعض رواته، لكن من أهل العلم من صحح الخبر لوجود شواهد تقويه.

فقال الترمذي رحمه الله تعالى عقب روايته:

" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بَيْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَبَيْنَ عُمَرَ رَجُلًا " انتهى. "سنن الترمذي" (5/266).

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" هذا الحديث منقطع بهذا الإسناد؛ لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب، وبينهما في هذا الحديث نعيم بن ربيعة، وهو أيضا مع هذا الإسناد لا تقوم به حجة ...

وجملة القول في هذا الحديث، أنه حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعا غير معروفين بحمل العلم.

ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة ثابتة يطول ذكرها، من حديث عمر بن الخطاب وغيره، جماعة يطول ذكرهم" انتهى من "التمهيد" (6/ 3-6).

وتعجبك من هذه الرواية بقولك: " ألن يكون من الغريب إخباره أن البعض سيذهب إلى النار قبل أن يعلم آدم أنه ذاهب إلى الأرض؟ ".

هذا الاستفهام يتصور لو نصت الراوية أن الله أخبر آدم بهذا، أو كان يبصر هذه الحادثة، وفهم منها أن محل هذه الحوادث هو الأرض، وليس الجنة التي سيسكنها ابتداء، وأن من سكن الجنة ابتداء، لا يخرج منها بحال، لا هو ولا أحد من ذريته ... فالرواية لم تنص على شيء من هذا، فلا محل لهذا التعجب الذي ذكرته أصلا.

وقد ورد حديث آخر شبيه بهذا، وفيه أن آدم عليه السلام رأى ذريته، لكنه خال أيضا من محل الاستفهام، فلم يرد فيه ما يشير إلى أن آدم عليه السلام قد يفهم منه أنه سينزل إلى الأرض بعد سكناه الجنة، وهو ما رواه الترمذي (3076) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُور، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ فَقَالَ: رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَيْ رَبِّ، زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا قُضِيَ عُمْرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ قَالَ: فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنُسِّيَ آدَمُ فَنُسِّيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ.

وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

فالحاصل؛ أن هذه مسألة غيبية لم نحط علما بجميع جوانبها؛ فلا يليق أن نولد استشكالات حولها، ليس لها أساس علمي، وإنما ولدها التكلّف الظاهر، والتحكّم، والتخيّل، ثم ننتقل من دعوى الاستشكال، إلى دعوى التناقض!!

فهذا التصرف هو الذي يتعجب منه حقا.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(103889)، ورقم:(131675). 

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب