الحمد لله.
عَنْ أَنَسٍ: “أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ: وَهَذِهِ؟ لِعَائِشَةَ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَذِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ ( أي يمشي كل واحد منهما في إثر صاحبه ) حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ ) رواه مسلم (2037).
واصطحاب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، دون سائر زوجاته رضوان الله عليهن، تكتنفه احتمالات عدة، منها:
أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما اصطحب عائشة رضي الله عنه لحاجتها للطعام في ذلك اليوم مع خلّو بيتها منه، وأما سائر زوجاته رضي الله عنهن فلعلهن كن مكتفيات في ذلك اليوم بطعام كان عندهن.
أو أن يكون المضيف ليس له من الطعام أو المكان ما يسع عدة أفراد، ويشير إلى هذا امتناعه في بداية الأمر عن الإذن لعائشة رضي الله عنها.
وأشار إلى هذين الاحتمالين أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى، حيث قال:
” وامتناع الفارسي من الإذن لعائشة رضي الله عنها، أولى ما قيل فيه: إنه إنّما كان صنع من الطعام ما يكفي النبي صلى الله عليه وسلم وحده؛ للذي رأى عليه من الجوع، فكأنه رأى: أن مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك يجحف بالنبي صلى الله عليه وسلم. وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من إجابة الفارسي عند امتناعه من إذن عائشة: إنما كان – والله أعلم – لأن عائشة كان بها من الجوع مثل الذي كان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستأثر عليها بالأكل دونها، وهذا تقتضيه مكارم الأخلاق ” انتهى. “المفهم” (5 / 304).
فالحاصل؛ أنه لا يوجد في هذا التصرف ما يستشكل مع هذه الاحتمالات الممكنة.
والله أعلم.
تعليق