الحمد لله.
من المعلوم لكل مسلم مدى حرمة فاحشة اللواط والسحاق.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" قال الله جل ذكره: ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ) الآية...
وروينا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط ).
واختلف أهل العلم - بعد إجماعهم على تحريم ذلك - فيما يجب على من عَمِلَ عملَ قومِ لوط... " انتهى من "الإشراف" (7/ 286–287).
وقال ابن القطان الفاسي رحمه الله تعالى:
" واتفقوا أن وطء الرجلِ الرجلَ: جُرْمٌ عظيم.
واتفقوا أن سحقَ المرأة للمرأة حرام " انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/253).
فينبغي للمسلم أن يهجر أصحاب هذه الفاحشة، لأن من وسائل الإصلاح التي جاء بها الشرع، هجر أصحاب المعاصي والفجور، وقد عقد البخاري في "صحيحه" بابا بعنوان : " بَابُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا، وَلَمْ يَرُدَّ سَلاَمَهُ، حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ العَاصِي. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لاَ تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الخَمْرِ ".
والاختلاط بهم ومصادقتهم يكسر آخر حدود الحياء والفطرة؛ فلا يستحي بعد ذلك المداهن لهم من أي ذنب أو خلق شنيع.
والمسلم مأمور بأن لا يصاحب إلا أهل الإيمان والتقوى.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ) رواه الترمذي (2395)، وأبو داود (4832).
قال الخطابي رحمه الله تعالى:
" هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة ، وذلك أن الله سبحانه قال: ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا )، ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً غير مؤمنين ولا أتقياء.
وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب، يقول : لا تؤالف من ليس من أهل التقوى والورع ، ولا تتخذه جليسا تطاعمه وتنادمه " انتهى من "معالم السنن" (4/115).
ويزداد تأكد هجرهم في الوقت الذي يكونون فيه متلبسين بوسائل الفاحشة ، كحال مشي الواحد منهم مع قرينه في الفاحشة، فعلى المسلم أن يتجنبهم ولا يخالطهم؛ إلا إذا قصد نصحهم ودعوتهم إلى طريق الحق .
قال الله تعالى:(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأنعام/68، 69.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
" هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي : ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى" انتهى من "تفسير السعدي" (ص 260).
ويتأكد الأمر بمقاطعتهم، وترك الخلطة لهم، والتعامل معهم بالكلية: إذا كانوا كفارا، أو كانوا مستحلين لتلك الفاحشة، أيا كانت ملتهم بعد ذلك؛ فقد باؤوا بشر حال، من عملهم الفاحش، واعتقادهم الفاسد.
ثانيا:
إذا اضطر المسلم للتعامل مع هؤلاء الشواذ والفاسدين، لأجل مصلحة من مصالح الدنيا، ولم يستقم له أمره، وقضاء حاجته المشروعة، إلا بالتعامل معهم – وتلك حال يبتلى بها المسلم إذا كان مقيما في بلادهم - : فلا يخالطهم إلا بمقدار الحاجة: كحال البيع والشراء وأماكن العمل ونحو هذا.
قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
"القواعد المشروعة بالأصل، إذا داخلتها المناكر؛ كالبيع، والشراء، والمخالطة، والمساكنة إذا كثر الفساد في الأرض واشتهرت المناكر، بحيث صار المكلف عند أخذه في حاجاته وتصرفه في أحواله، لا يسلم في الغالب من لقاء المنكر أو ملابسته ... إن فرض الكف عن ذلك أدى إلى التضييق والحرج، أو تكليف ما لا يطاق، وذلك مرفوع عن هذه الأمة؛ فلا بد للإنسان من ذلك، لكن مع الكف عما يستطاع الكف عنه، وما سواه؛ فمعفو عنه لأنه بحكم التبعية لا بحكم الأصل " انتهى من "الموافقات" (3 / 526 – 527).
فعليه في هذه الحال أن يخالطهم بمقدار الحاجة، مع استصحاب إنكار القلب عليهم، متى كان عاجزا عن الإنكار عليهم بيده أولسانه.
ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (265068)، ورقم (6285).
والله أعلم.
تعليق