السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

أثر الاستغفار في إجابة الدعاء

405707

تاريخ النشر : 09-07-2023

المشاهدات : 8441

السؤال

هل الالتزام بالاستغفار سبب لاستجابة الله تعالى لدعاء العبد؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

من كرم الله تعالى ورحمته أنه يجيب دعاء العبد، كما قال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي ‌أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60، والله تعالى يستجيب دعاء من دعاه، كما قال سبحانه: (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ ‌فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)الأنبياء/76، وقال سبحانه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * ‌فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ )الأنبياء/83-84.

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ).

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللَّهُ أَكْثَرُ)، رواه الترمذي (3573) وقال: "وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ".

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا).

قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللهُ أَكْثَرُ)، رواه الإمام أحمد في "المسند" (17/213)، وقال الشيخ الألباني "حسن صحيح" كما في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/278).

وينظر للفائدة حول ذلك: جواب السؤال رقم : (153316)، (315518).

ثانيًا:

هناك أماكن وأوقات جدير أن يستجاب للعبد فيها، وقد ذكرنا بعضها في الجواب رقم: (22438)، ومنها:

1- الدعاء ليلة القدر.

2- الدعاء في جوف الليل الآخر.

3- الدعاء في السجود.

4- الدعاء بين الأذان والإقامة.

5- عند النداء للصلوات المكتوبة، وعند التحام الصفوف في المعركة.

6- دعوة المظلوم.

7- الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر.

ثالثًا:

للاستغفار فوائد عظيمة يحسن بالمسلم أن يعرفها، وفي كتاب الله تعالى، قال هود لقومه: (وَيَاقَوْمِ ‌اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ(هود/52.

وقال قبله نوح: (فَقُلْتُ ‌اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح/11-12.

 وقد ذكرنا في الأجوبة رقم: (39775)، (225558)، (119743)، (104919)، فضل الاستغفار وفوائده.

والاستغفار يجعل المؤمن أقرب إلى إجابة الدعاء من وجوه:

1- الاستغفار يمحو الذنوب، مما يجعل العبد أقرب إلى الله تعالى، وقرب العبد من الله سبب من أسباب إجابة الدعاء.

قال "ابن القيم": "وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سُئِل بعض أهل العلم : أيما أنفع للعبد، التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان ‌الثوب ‌نقيًّا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دَنِسًا فالصابون والماء الحارُّ أنفع له. فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دَنِسة؟!"، انتهى من "الوابل الصيب" (1/233).

2- الاستغفار من أسباب سعة الرزق، والدعاء وإجابته رزق من الله سبحانه وبحمده.

قال "ابن تيمية": "إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تُشكل عليَّ، ‌فأستغفر ‌الله ‌تعالى ‌ألف ‌مرَّة أو أكثر أو أقل، حتى ينشرح الصدر وينحلّ إشكال ما أشكل".

انتهى من "العقود الدرية في مناقب ابن تيمية" (ص10).

رابعًا:

لعل مما يقوي أن كثرة الاستغفار من أسباب إجابة الدعاء، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ، إِذْ دَعَا وهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَاّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

رواه أحمد (1462)، والترمذي(3505).

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: 87، 88].

قال رحمه الله: "في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه وينجيه كما نجاه وهو قوله: (وكذلك ننجي المؤمنين)"، انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (11/334).

وذلك؛ "لأنها جمعت من كمال التوحيد:

1 - الإقرار بوحدانية اللَّه تبارك وتعالى.

2 - تنزيهه عن الظلم لكمال عدله وحكمته.

3 - الإقرار بالذنب.

4 _ كمال الأدب في السؤال؛ حيث لم يطلب من اللَّه تعالى بصيغة الطلب الصريحة، وإنما بالتعريض بالحال"، انتهى.

انظر: "شرح الدعاء من الكتاب والسنة" (ص81).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (218905)، ورقم: (318430). 

ومما يدل على هذا الأصل أيضًا، ما ذكره "القرطبي" رحمه الله قال: "في هذه الآية والتي في "هود" دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار.

قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت المطر ‌بمجاديح ‌السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: (استغفروا ربكم إنه كان غفارًا. يرسل السماء عليكم مدرارًا).

وقال الأوزاعي: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: (ما على المحسنين من سبيل) [التوبة: 91] وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟! اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.

وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدا، فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله تعالى يقول في سورة "نوح": (استغفروا ربكم إنه كان غفارًا. يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا) وقد مضى في سورة "آل عمران" كيفية الاستغفار، وإن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب. وهو الأصل في الإجابة".

انتهى من "تفسير القرطبي" (18/ 302 - 303).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب