الحمد لله.
أولا:
ورد الترغيب في الجلوس في المصلى للذكر بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (221531).
ولم يرد ما يدل على اشتراط الطهارة لهذا الجلوس ، واشتراط شرط في عبادةٍ ما لا يكون إلا بدليل صحيح.
والذكر لا يشترط له الطهارة.
روى مسلم (373) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ".
قال النووي رحمه الله تعالى:
"أجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار وما سوى القرآن للجنب والحائض ، ودلائله مع الإجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة" انتهى من "المجموع" (2/189) .
لكن الأفضل أن يذكر المسلمُ اللهَ تعالى وهو على طهارة ، لحديث أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: " أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ" رواه البخاري (337)، ومسلم (369).
وعند أبي داود (17)، وابن ماجه (350): عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ: " أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ) أَوْ قَالَ: (عَلَى طَهَارَةٍ).
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان، والحاكم، والذهبي، والنووي " انتهى من "صحيح سنن أبي داود" (1/45).
قال ابن حبان رحمه الله تعالى:
" قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر )، أراد به صلى الله عليه وسلم الفضل؛ لأن الذكر على الطهارة أفضل، لا أنه كان يكرهه لنفي جوازه " انتهى من "الإحسان" (3/83).
إلا إذا كان في جلوسه هذا يقرأ القرآن من المصحف؛ فجمهور العلماء على أنه تجب الطهارة لمس المصحف، ينظر للفائدة جواب سؤال رقم: (311712).
ثانيا:
إذا تقرر أن الطهارة ليست شرطا لذكر الله، سواء كان الذكر مقيدا أو مطلقا ؛ فينبغي الانتباه أيضا إلى أنه من المواضع التي يتأكد فيها الندب إلى الطهارة، والاستمرار عليها: حال الجلوس للذكر بعد صلاة الفجر، حتى يدرك الجالس الذاكر فضل استغفار ودعاء الملائكة له.
ودليل ذلك: ما رواه البخاري (659)، ومسلم (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْه).
وقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/88) وبوّب عليه بقوله: " باب الترغيب في مكث المصلى في مصلاه لإطالة ذكر الله تعالى في نفسه " انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَا لَمْ يُحْدِثْ)، منهم من حمله على حدث اللسان وهو أن يؤذي غيره، ونحو هذا، لكن قد فسره أبو هريرة رضي الله عنه في رواية أخرى بحدث الفرج وهو انتقاض الطهارة، فعَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، حَتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ ) قُلْتُ: مَا يُحْدِثَ؟ قَالَ: ( يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ ) رواه مسلم (649).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ... المراد بالحدث: حدث الفرج، لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى؛ لأن الأذى منهما يكون أشد، أضار إلى ذلك ابن بطال " انتهى من "فتح الباري" (2/ 143).
قال العراقي رحمه الله تعالى:
" إذا فسرنا الحدث بالعرف الشرعي، كما فسره أبو هريرة، فما وجه اقتصاره على ذكر الضراط والفساء؟ وليس الحدث منحصرا فيهما.
والجواب: أنه لما ذكر الحدث في المسجد، ترك أبو هريرة منه ما لا يشكل أمره، من البول والغائط في المسجد؛ فإنه لا يتعاطاه في المسجد ذو عقل " انتهى من "طرح التثريب" (2/369).
وقال ابن خزيمة رحمه الله تعالى:
" فكل منتظر الصلاة، جالس في المسجد غير طاهر طهارة تجزيه الصلاة معها: فحكمه حكم من خرجت منه ريح نقضت عليه الطهارة " انتهى من"صحيح ابن خزيمة" (1/187).
وهل المقصود بالحدث هنا، الحدث الذي يتعمده صاحبه؟ المعنى محتمل.
قال أبو الحسن المباركفوري رحمه الله تعالى:
" قوله. (ما لم يُحدث) من: أحدث؛ أي ما لم ينقُض وضوءَه، وظاهره عموم النقض لغير الاختيار أيضاً، ويحتمل الخصوص" انتهى من "مرعاة المفاتيح" (2/410).
لكن من انتقضت طهارته بغير اختياره، بأن غلبه الحدث، فالذي ترجحه الأصول أنه معذور؛ لأن الحرج مرفوع عن هذه الأمة، فيخرج للطهارة، ثم يعود لمجلسه، ويرجى له الأجر كاملا.
سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" إذا كان الإنسان في مصلاه يذكر الله بعد الفجر حتى الشروق ليصلي الضحى، ولكنه أحدث وذهب للوضوء، هل يعتبر هنا خرج من المسجد وليس له أجر الحجة والعمرة إذا رجع وصلى الضحى كما في الحديث؟
الجواب: من جلس في مصلاه بعد أداء صلاة الفجر يذكر الله حتى طلعت الشمس، ثم أحدث، فخرج من المسجد ليتوضأ، ثم رجع بعد وضوئه لمصلاه من قريب، ولم يطل مكثه خارج المسجد، فصلى ركعتين بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، فإن خروجه ذلك لا يؤثر، ولا يمنع من حصوله على الثواب العظيم المترتب على تلك العبادة إن شاء الله تعالى، وهو إدراك حجة وعمرة تامتين، والفوز بجنته.
ويدل لذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) أخرجه الترمذي في "الجامع" وقال: حديث حسن غريب، وروى الطبراني نحوه بإسناد جيد.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد، صالح الفوزان، عبد الله بن غديان، عبد العزيز آل الشيخ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (6/ 150–151).
والله أعلم.
تعليق