الخميس 25 جمادى الآخرة 1446 - 26 ديسمبر 2024
العربية

( وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ) هل هذا الوصف للحور العين أم يشمل نساء الدنيا؟

408842

تاريخ النشر : 05-04-2023

المشاهدات : 8540

السؤال

في قوله تعالى: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) هل هذا عن نساء الدنيا، أم أن الله تعالى يتحدث عن الحور العين؟ ماذا لو أرادت امرأة في الجنة أن تبدو بشكل معيّن، فهل ستُمنَح هذه الرغبة؟ أيّ أنها لا تريد أن تبدو بهذا الشكل، بمعنى أنها لا تريد ثديين ممتلئين، ألا يقول الله تعالى في القرآن أنك ستحصل على ذلك مهما كانت الرغبة في داخلك، أم أنّ الرغبة في أن تبدو بشكل معين ستزول من العقول؟ علمي في هذا الصدد يسلب رغبتي في السعي وراء الجنة، علاوة على ذلك ما هي الجنة إذا لم تستطع الحصول على رغبات داخلك؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قول الله تعالى: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) النبأ/33.

هذه الآية ليس المقصود منها ضخامة الثدي، بل تشير إلى كمال نعيم أهل الجنة، فالزوجات فيها يكن في سن الشباب وجماله حيث الجسم مشدود ليس بمترهل، ولسن كبيرات في السن، فالكواعب:

"جمع كاعب: وهي الجارية التي خرج ثديها.

(أَتْراباً) أي: على سنّ واحد" انتهى من "التسهيل لابن جزي" (2/529).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" ( وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ) الكواعب جمع كاعب وهي التي تبين ثديها ولم يتدل، بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر" انتهى من "تفسير جزء عمّ" (ص 35).

ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (193409).

ولم نقف على ما يدل على أن هذا الوصف خاص بالحور العين وحدهن.

ثانيا:

يكثر في هذا الزمن مثل هذه الأسئلة التي تعترض على بعض نعيم الجنة انطلاقا من رغبات أهل الدنيا واضطرابها.

وهذه الاعتراضات راجعة إلى خلل في فهم دين الله تعالى، ويظهر في الأمور الآتية:

الأمر الأول:

الخلل في الإيمان بالله تعالى وصفاته؛ لأن من تيقن أن الله خبير بنفوس الناس ورغباتها، وكامل العلم برغبات أهل الجنة وما جعل فيها، كما قال الله تعالى:

( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/14.

وأنه حكيم في حكمه وفعله.

قال الله تعالى:(إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يوسف/6.

وأنه كامل الرحمة بعباده.

قال الله تعالى:(وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت /31-32.

وأنه كامل الكرم والإحسان.

قال الله تعالى بعد أن ذكر نعيم أهل الجنة:

(تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) الرحمن/78.

فمن صدق إيمانه بهذا، فإنه تطمئن نفسه ولا يخالط قلبه شك أو اعتراض في أفعال الله تعالى.

قال الله تعالى:(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/79).

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:

" اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله، على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك " انتهى من "شرح الطحاوية" (ص 261).

بل يكون المؤمن راضيا بالله تعالى وبوعده، كما جاء وصف أهل الجنة بهذا الرضا في عدة مواضع من القرآن الكريم، ومن ذلك قول الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) البيّنة/7 – 8.

الأمر الثاني:

الخلل في الإيمان بالغيب، فالهدى واليقين وثبات الإيمان والنجاة من الوساوس، هذه الأمور حاصلة لمن صدق في إيمانه بالغيب.

قال الله تعالى: (الم ، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) البقرة/1 – 3.

ومن هذا الغيب الذي بالإيمان به يحصل الهدى، الإيمان والتصديق بالجنة ونعيمها، كما قال الله تعالى:(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) مريم/61.

والذي يعترض على ما غاب عنه من نعيم الجنة، استنادا إلى ما يشهده من نعيم الدنيا، فهذا لم يصدق في إيمانه بالغيب، فتتلاعب به الوساوس والشكوك نسأل الله تعالى السلامة والعافية.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/172).

فلو صدق، لعلم أن أهل الجنة إذا دخلوها: لا يملونها؛ مهما طال زمنهم ومكثهم فيها.

قال الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) الكهف/107-108.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" فإن قيل: قد علم أن الجنة كثيرة الخير، فما وجه مدحها بأنهم لا يبغون عنها حولا؟

فالجواب: أن الإنسان قد يجد في الدار الأنيقة معنى لا يوافقه، فيحبّ أن ينتقل إلى دار أخرى، وقد يملّ، والجنة على خلاف ذلك " انتهى من "زاد المسير" (3/114).

الأمر الثالث:

الخلل في القياس.

فمن أكبر الغلط أن يقيس الإنسان الشيء الناقص الذي يتصف بالضعف والعلل، على الشيء الكامل السالم.

فالدنيا خلقها الله تعالى محل علل وأمراض ونواقص، ليتحقق اختبار الناس فيها بالصبر والشكر، وأما الجنة فهي دار جزاء لا اختبار، فهي دار السلام والنعيم الكامل.

قال الله تعالى:(وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت/64.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه تعالى:

" وأما الدار الآخرة، فإنها دار ( الْحَيَوَانُ ) أي: الحياة الكاملة " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 635).

ومن كمال نعيمها أنه لا يمكن لأهل الدنيا أن يتصوروا مدى نعيمها، فكيف لهم أن يعترضوا عليها؟!

قال الله تعالى:

(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/17.

روى البخاري (4779)، ومسلم (2824)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ )، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).

وقال الطبري رحمه الله تعالى:

" وقال بعضهم: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا، إلا الأسماء.

- ثم روى بسنده - عن ابن عباس، قال: لَا يُشْبِهُ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاءُ. " انتهى من "تفسير الطبري" (1/416).

وهذا الأثر صحح إسناده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (5/219).

فمن قاس صفات نساء الجنة، على ما يشعر به من صفات نساء الدنيا: فقد وقع في الغلط؛ لأنه لا تناسب بين هذه الصفات إلا في الأسماء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والغلط في "القياس" يقع من تشبيه الشيء بخلافه، وأخذ القضية الكلية باعتبار القدر المشترك، من غير تمييز بين نوعيها، فهذا هو "القياس الفاسد"، كقياس الذين قالوا إنما البيع مثل الربا، وقياس إبليس – أي فيما حكاه الله عنه: ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )-،. ونحو ذلك من الأقيسة الفاسدة التي قال فيها بعض السلف: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. يعني: قياس من يعارض النص ومن قاس قياسا فاسدا، وكل قياس عارض النص فإنه لا يكون إلا فاسدا.

وأما القياس الصحيح: فهو من الميزان الذي أنزله الله، ولا يكون مخالفا للنص قط، بل موافقا له. " انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 299–300).

الأمر الرابع:

الخلل في مفهوم العبادة، فمن يغلّب الرجاء على قلبه حتى يخلو من الخوف من عقاب الله تعالى، ربما طغت نفسه وتمادت، وتجاوزت حدها إلى حد اقتراح أنواع النعيم التي ترغب فيها.

لكن من يملأ قلبه بحقيقة العبادة، وهي الجمع بين الخوف والرجاء، الخشية والطمع، فيخاف من الزلل ومن سوء الخاتمة وعدم التوفيق، ويرجو رحمة الله تعالى فيرجو أن يقبل طاعته ويتجاوز عن خطئه، يطمع في الجنة ويخاف من النار، استجابة لأمر الله تعالى.

قال الله تعالى:

(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/55 – 56.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" ( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها، لا دعاء عبد مدل على ربه قد أعجبته نفسه، ونزل نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاهٍ. " انتهى من"تفسير السعدي" (ص 292).

وقال الله تعالى:

(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/56.

وقال الله تعالى:( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) السجدة/16.

فمن استشعر الخوف من سوء الخاتمة ومن عذاب النار، لم يستطع أن يقترح هذه المقترحات حول الجنة ونعيمها، بل يكون همه أن يزحزح عن النار.

قال الله تعالى:(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) آل عمران/185.

نسأل الله الكريم أن يصلح حالنا وحالكم وأن يرزقنا جنته ويقينا عذابه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب